إليهم. (١)
قدوم الشّيخ الطّوسي إلى بغداد
في مثل تلك الظّروف ورد بغداد الشيخ الطّوسيّ الطالب الشّاب البالغ من العمر ٢٣ عاما ، وهو على استعداد تام للتقدم العلمي والاستفادة من الدروس العالية ، ورد بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية البالغة حين ذاك أوجها الثقافى. والحافلة بآلاف من العلماء في جميع الفنون ومن جميع المذاهب الإسلامية. ومنذ وصوله لفت أنظار الشيوخ والاساتذة إليه ويتبيّن لدينا من ملاحظة مشايخ الطوسي في الحديث والرّواية وقسم من تأليفاته ، أنه استفاد في السّنين الأولى من إقامته ببغداد أقصى ما يمكن استفادته من الفرص التي كانت متوفرة له حين ذاك. وهذا واضح من خلال استقراء رواياته في كتب الحديث ، وفي كتابه « الفهرست » مع تصريح كبار العلماء والمترجمين له ، ومن جملتهم شيخنا الأكبر العلّامة الطّهراني في مقدمة التبيان (٢) ، والعلّامة المتتبع السّيد محمد صادق آل بحر العلوم ، في مقدمة فهرس الطّوسي (٣) ، حيث يتحصل لدينا أن القسم الأكبر من نقوله ورواياته إنّما هما عن خمسة أشخاص أدركهم الشيخ الطوسي في أواخر أيّامهم ، ولم يلازمهم مدة طويلة ، ومع ذلك فقد أخذ علومهم وسمع جميع رواياتهم في تلك الفرصة العابرة والمدة القصيرة.
فمن جملة هؤلاء الخمسة بل المقدّم عليهم الشيخ المفيد حيث أدرك الشيخ الطوسي خمس سنوات من آخر أيّام « المفيد » فقط ، في حال أنّ المفيد هو العمدة في منقولات الشيخ تقريبا. وقد ذكر الطّوسي في ترجمة المفيد بعد سرد مؤلّفاته قوله : « سمعنا منه هذه الكتب بعضها قراءة عليه وبعضها يقرأ عليه غير مرّة وهو يسمع » (٤) فظاهر هذا الكلام يدلّنا على أنّه أخذ منه جميع تلك الكتب ، ودرسها على أستاذه بطريقة السماع أو القراءة ، وبعضها بشكل مكرّر. في مدة لا تتجاوز خمسة أعوام. مع أنّه في نفس الوقت حسب ما ستعرف ألّف قسما كبيرا من كتاب « تهذيب الاحكام ».
والثاني من الخمسة هو الحسين بن عبيد الله الغضائري المتوفى عام ٤١١ ه ، أى
__________________
(١) روضات الجنّات ص ٣٨٣.
(٢) مقدمة التبيان ص أح.
(٣) مقدمة الفهرست ص ١١ و ١٨.
(٤) فهرست الطوسي ص ١٢٦.