ترجيح النّجاشي على الشيخ الطوسي في الرجال والحديث فكان لقاء مثل هذا الشيخ بمكان من الأهمية للشيخ الطوسي ومع ذلك لم يخرج الطوسي إلى البصرة لزيارته والأخذ منه مباشرة.
ويعلم من إجازة الشيخ المكتوبة عام ٤٤٥ ه على ظهر نسخة من كتابه « مقدمة في المدخل إلى علم الكلام » أنّه كان في ذاك التاريخ في « حدود دار السّلام » اي في ضواحي بغداد. والظاهر أنّ الشيخ قد ألّف أكثر كتبه وأماليه في بغداد وانه ألف قسما منها قبل وفاة أستاذه السيد المرتضى وقسما آخر بعده. ويمكننا أن نقف على مكانته العلمية ورئاسته العامة حين ذاك من خلال هذه الكتب ومقدماتها ومن الأسئلة الواردة عليه من البلدان وقد عبر نظام الدين محمود بن علي الخوارزمي كاتب النسخة المذكورة المكتوبة سنة ٤٤٤ ه ، عبّر عن الشيخ بقوله : « مقدمة الكلام تصنيف الشيخ الإمام الورع قصوة العارفين وحجة الله على العالمين ، لسان الحكماء والمتكلمين ، أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي متعنا الله بطول بقائه ونفعنا بعلومه ». (١)
الشيخ الطوسي والنجاشي
أبو العبّاس النّجاشي المعاصر للشيخ الطوسي صاحب كتاب الرّجال المعروف الذي ألّفه قبل سنة ٤٥٠ ه الّتي توفّي هو فيها ، وبعد عام ٤٣٦ ه الذي توفّي فيه السيد المرتضى (٢) والظاهر أنّه كتبه في بغداد. وقد وصف الشيخ الطّوسي بقوله : « محمد بن الحسن بن على الطوسي أبو جعفر جليل من أصحابنا ، ثقة عين ، من تلامذة شيخنا أبى عبد الله .. » (٣) ثم يفهرس جملة من كتب الشيخ الطوسي التي كان ألّفها إلى يوم ذاك
__________________
(١) مقدمة التبيان للعلامة الطهراني ص ١ ه. قد كان العلامة الطهراني رأي هذه النسخة في مكتبة الأستاذ السيد محمد مشكاة رحمهالله. وراجعت أنا الأستاذ مشكاة لرؤية هذه النسخة وزيارة إجازة الشيخ الطوسي بخطه لكاتب النسخة ، فقال : كانت هذه النسخة أمانة عندي لبعض أصدقائي فاستردّها ، ولا أدري ما هو مصيرها. ثم بعد ذلك بسنين حينما كنت أجمع الوثائق عن الشيخ الطوسي للمؤتمر الألفي للطوسي ، كتب إليّ الفاضل فخر الدّين نصيري ، أنّ هذه النسخة محفوظة لديه. وعلى كل حال فهي من جملة عديد من النسخ التي تحمل خط الشيخ الطوسي. فلاحظ خاتمة كتاب الجمل والعقود المصحّح والمترجم بجهدنا.
(٢) قد جاء في رجال النّجاشي ص ٢٠٧ أنّ السيّد توفي في ٥ ربيع الأوّل عام ٤٣٦ ه وأنّه تصدى لغسله ، وهذا دليل على تأليفه كتاب الرّجال بعد موت السيّد وهناك شواهد أخرى على ذلك إلّا أنّ النّجاشي عبر عن السيد في أول كتابه بقوله : « السيد الشريف أطال الله بقاءه وأدام توفيقه » حيث انّ الظاهر منه السيد المرتضى وأنه كان في قيد الحياة حينذاك.
(٣) رجال النّجاشي ص ٢٨٧.