بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الّذي أنزل (١) على عبده الكتاب لكلّ شيء تبيانا ، وجعله لتصديق نبوّته وتأييد رسالته معجزا وبرهانا ، فنزّله نورا وهدى وعبرة للعالمين ، وضمنه جوامع الكلم فكان تبصرة وذكري للعالمين ، وأخرس بفصاحته ألسنة العرب العرباء (٢) وأبكم ببلاغته مصاقع (٣) البلغاء والخطباء ، وأتقن تهذيبه وأحكم ترتيبه غاية الإحكام ، وصيّره دليلا وحجّة للحكّام في اقتناص (٤) الأحكام ، وعصم من تمسّك به
__________________
(١) قد اجتمعت التعدية بالهمزة وبالتضعيف في قوله تعالى ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنّاسِ ). آل عمران ٣ ـ وزعم الزمخشري ان بين التعديتين فرقا فقال : لما نزل القرآن منجما والكتابان جملة جيء بنزل في الأول وانزل في الثاني ، وانما قال هو في خطبة الكشاف الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاما مؤلفا منظما ، ونزله بحسب المصالح منجما ، لأنه أراد بالأول إنزاله من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا ( وهو الانزال المذكور في ( إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ـ القدر ـ ١ وفي قوله تعالى ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ). البقرة ١٨١ ـ واما قول القفال : ان المعنى أنزل في وجوب صومه أو الذي أنزل في شأنه فتكلف لا داعي اليه ) وبالثاني تنزيله من السماء الدنيا الى رسول الله صلىاللهعليهوآله نحو ما في ثلاث وعشرين سنة اه قاله ابن هشام في مغني اللبيب.
(٢) العرباء : الصرحاء الخلص من العرب.
(٣) مصاقع جمع مصقع كمنبر البليغ الذي لا يرتج عليه في الكلام والعالي الصوت
(٤) الاقتناص الاصطياد.