كونه في جهتها لكن بينه وبين المسلمين حائل يمنع من رؤيتهم لو هجموا وقوّة العدوّ بحيث يخاف هجومه وكثرة المسلمين بحيث يمكن افتراقهم فرقتين يقاوم كلّ فرقة العدوّ وعدم الاحتياج إلى زيادة التفريق : فينحاز الإمام بطائفة إلى حيث لا يبلغهم سهام العدوّ فيصلّي بهم ركعة فإذا قام إلى الثانية انفردوا واجبا وأنمّوا والأخرى تحرسهم ثمّ تأخذ الأولى مكان الثانية وتنحاز الثانية إلى الامام وهو ينتظرهم فيقتدون به في الركعة الثانية فإذا جلس في الثانية للتشهّد قاموا وأنمّوا ولحقوا به ويسلّم بهم ويطوّل الامام القراءة في انتظار الثانية والتشهّد في انتظار فراغها وفي المغرب يصلّي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة أو بالعكس.
فالآية الكريمة ، لم يقل أحد بحملها على صلاة عسفان بل إمّا على صلاة بطن النخل وهو قول الحسن البصري أو على صلاة ذات الرقاع وفيها قولان أحدهما قول أصحابنا والشافعيّة وهو أنّ الطائفة الأولى بعد فراغها من السجود تصلّي ركعة أخرى كما حكيناه وثانيهما أنّ الطائفة الأولى إذا فرغوا من الركعة يمضون إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الأخرى ويصلّي بهم الركعة الثانية ويسلّم الإمام خاصّة ويعودون إلى وجه العدوّ ويأتي الاولى فيقضون ركعة بغير قراءة لأنّهم لاحقون ويسلّمون ويرجعون إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الثانية ويقضون ركعة بقراءة لأنّهم مسبوقون وهو مذهب أبي حنيفة ومنقول عن عبد الله بن مسعود وفي الفرق بين الطائفتين بترك القراءة نوع تحكّم لا يصلح ما ذكروه لعلّته.
وقيل إنّ الطائفة الأولى تصلّي ركعة وتسلّم وتنصرف وكذا الثانية وهو قول جابر ومجاهد فعلى هذا يكون صلاة الخوف ركعة واحدة (١) فالسّجود في قوله « فَإِذا سَجَدُوا » على ظاهره عند أبي حنيفة وعلى قول أصحابنا وقول الشافعيّ بمعنى الصلاة ويعضده قوله تعالى ( وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ )
__________________
(١) قد مر ما ورد فيه من طرق الإمامية وطرق أهل السنة وما به يتأول الروايات في حواشينا السالفة فراجع ص ١٨٥.