مستمرّا في جميع الملل تأكّد الانبعاث إلى القيام به أو تنبيه لنا على علّة مشروعيّته بوقوع التكليف به عامّا أو تطييب للنفس وتسهيل عليها.
الثانية ( أَيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١).
« أَيّاماً » منصوب على أنّه ظرف لفعل مقدّر يدلّ عليه الصيام أي صوموا أيّاما لا أنّه منصوب بالصّيام كما قال الزمخشريّ لأنّ المصدر إعماله مع اللام ضعيف والإضمار من محاسن الكلام « و ( مَعْدُوداتٍ ) » أي قلائل فإنّ الشيء إذا كان قليلا يعدّ وإذا كان كثيرا يهال هيلا وفي قوله « أَيّامٍ أُخَرَ » وهي جمع اخرى تأنيث آخر سؤال فإنّ الأيّام جمع يوم وهو مذكّر وكان قياسه أواخر جمع آخر فلم قال أخر؟ أجيب عنه بأنّ كلّ صفة لموصوف مذكّر لا يعقل فأنت فيها بالخيار إن شئت عاملتها معاملة الجمع المذكّر وإن شئت [ عاملتها ] معاملة الجمع المؤنّث وإن شئت معاملة المفرد المؤنّث وعلى هذا جاز أن يقال أيّام أواخر وأخر واخرى لكون الأيّام لا تعقل بخلاف جائني رجال ورجال أخر لم يجز بل أواخر أو آخرون.
« وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ » أي يبلغونه أقصى طاقتهم والضمير للصوم وقرء نافع وابن عامر « فدية طعام مساكين » بإضافة فدية إلى طعام وجمع المساكين وقرأ الباقون « فدية » منوّنة « وطعام » بالرفع وإضافته إلى « مسكين » مفردا وقرأ حمزة يتطوع والباقون تطوّع : إذا تقرّر هذا ففي الآية مسائل :
١ ـ قال ابن عباس وجماعة « الأيّام المعدودات » هنا ثلاثة أيّام من كلّ شهر ويوم عاشوراء ثمّ نسخ بشهر رمضان وعنه أيضا أنّها شهر رمضان وبه قال الأكثر لأنّه مهما أمكن صيانة الحكم عن النسخ فهو أولى فيكون قد أوجب الصوم أوّلا فأجمله ثمّ بيّنه بأيّام معدودات ثمّ بيّنه بشهر رمضان وعلى القول الأوّل لا يلزم
__________________
(١) البقرة : ١٨٤.