لمّا عاب المنافقون على رسول الله صلىاللهعليهوآله في قسمة الصدقات بأنّه يعطي من أحبّ ونزل فيهم ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) (١) أي يعيبك ـ يقال لمزه يلمزه بكسر العين في المضارع وضمّها إذا عابه على وجه المساترة ـ أنزل الله هذه الآية قاطعة لأطماعهم وأتى بإنّما الّتي للحصر للدلالة على أنّه لا يستحقّها سوى هؤلاء المذكورين.
واختلف في اللّام في « لِلْفُقَراءِ » هل هي للتمليك أو لبيان المصرف؟ فقال الشافعيّ بالأوّل فيجب البسط على الأصناف ويعطي من كلّ صنف ثلاثة لا أقلّ منهم وقال مالك وأبو حنيفة بالثاني فلا يجب البسط بل لو أعطى زكوته واحدا من أيّ صنف كان جاز لكن أبو حنيفة لا يعطي ما يؤدّي إلى الغني فلو خالف فعل مكروها وملكه المعطى وبرئت الذمّة ومالك يجوّز ذلك إذا أمل غناءه وقال أصحابنا بجواز أيّ صنف كان ولو واحدا منهم لكنّ البسط أفضل وبذلك قال ابن عبّاس وحذيفة وغيرهما من الصحابة لأنّ كون اللّام للتمليك لا وجه له فانّ المستحقّ لا يملك قبل الأخذ ولأنّ حملها على بيان المصرف موافق لفعل النبيّ صلىاللهعليهوآله الّذي عابه المنافقون فيكون أولى.
إذا عرفت هذا فلنذكر الأقسام مفصّلة والخلاف فيها فنقول :
الأوّل الفقراء ، الثاني المساكين قيل إنّهما قسم واحد وإنّما أتى باللّفظين لا لتغاير المعنى بل لتأكيد أحدهما بالآخر كعطشان بطشان وقيل بالتغاير وبه قال الشافعيّ وأبو حنيفة فقيل الفقير متعفّف لا يسأل والمسكين بخلافه وقيل بالعكس ويؤيّد الأوّل قوله تعالى ( لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً ) (٢) ويؤيّد الثاني قول النبيّ صلىاللهعليهوآله « ليس المسكين الّذي تردّه الأكلة و
__________________
(١) البراءة : ٥٩.
(٢) البقرة : ٢٧٣.