٤ ـ أخبر سبحانه بإصرار أهل الكفر على عداوة المسلمين وأنّهم لا يزالون على ذلك حتّى يرجعوهم عن دينهم و « حتّى » هنا للتعليل وقوله « إِنِ اسْتَطاعُوا » استبعاد لاستطاعتهم كقولك لعدوّك إن ظفرت بي فلا تبق عليّ وأنت واثق بعدم ظفره.
٥ ـ لمّا ذكر الارتداد استطرد حكمه فقال « وَمَنْ يَرْتَدِدْ » واختلف [ في أنّه ] هل نفس الردّة محبط للعمل أو مع الموت عليها قال أبو حنيفة بالأوّل والشافعيّ بالثاني وبه قال أصحابنا وهو الحقّ سواء كان ارتداده عن فطرة أولا فإنّ الموافاة عندنا بالإيمان شرط في استحقاق الثواب.
الثانية ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ) (١).
يقال ثقفت الرجل إذا وجدته وأنت متمكّن منه حاذق على ذلك وأصله الحذق للشيء علما وعملا وهذه الآية ناسخة لكلّ آية فيها أمر بالموادعة أو الكفّ عن القتال كقوله تعالى ( وَدَعْ أَذاهُمْ ) (٢) وقوله ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (٣) وأمثاله لأنّ حيث للمكان أي في أيّ مكان أدركتموهم من حلّ أو حرم وكان القتال في الحرم محرّما ثمّ نسخ بهذه الآية وأمثالها فصدرها ناسخ لعجزها قوله « وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ » أي من مكّة فإنّهم أخرجوا رسول الله صلىاللهعليهوآله وجماعة من المسلمين من الحرم وكذلك صدّوهم عن الدخول عام الحديبية فلا جناح في إخراجهم لأنّ البادي أظلم وقد فعل رسول الله صلىاللهعليهوآله عام الفتح كذلك « وَالْفِتْنَةُ » أي المحنة والبليّة بإخراجهم عن وطنهم « أَشَدُّ » عليهم من قتلهم لدوام التألّم بذلك وقيل
__________________
(١) البقرة : ١٩١.
(٢) الأحزاب : ٤٨.
(٣) الكافرون : ٦.