عليهم وضجّوا منه فخفّف الله عنهم بمقاومة الواحد الاثنين وهنا فوائد :
١ ـ لمّا كان مطلوب الكفّار في القتال ضدّ مطلوب الله كانوا مغالبين لله ومن غالب الله غلبه الله ولمّا كان المؤمنون مطلوبهم مطلوب الله كان الله ناصرهم ومن نصره الله لن يخذل أبدا ولذلك علم بالاستقراء أنّ الباغي مصروع دائما ولهذا السرّ قال تعالى ( بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) أي لا يفقهون أنّهم مغالبون الله تعالى ومغالبة مغلوب. ووجه آخر وهو أنّ من لا يعرف الآخرة فالحياة عنده لا تكون إلّا هذه الدنيوية فهو يشحّ بها فيجين [ ويفرّ ] ومن اعتقد الآخرة وأنّ سعادته فيها لم يبال بهذه الحياة [ الدنيا الفانية ] فيخوض الغمرات ويقاتل الجماعات.
٢ ـ المراد بالضعف الضعف البدنيّ لا في البصيرة في الدين كما قال الطبرسي أما أوّلا فلأنّه المتبادر إلى الذهن فيكون حقيقة فيه وأمّا ثانيا فلأنّ قرينة التخفيف تدلّ على ذلك وأمّا ثالثا فلأنّ الضعف البدنيّ مناسب للتخفيف والنسخ بخلاف الضعف في البصيرة.
٣ ـ الفرق بين الحكمين أنّ المسلمين لمّا كان فيهم قلّة كلّفهم بمقاومة عشرة لمائة وإن علم فيهم ضعفا ولمّا كثروا زال المانع فخفّف عنهم لسعة رحمته وقرئ بفتح الضاد وضمّها للسبعة وقرأ أبو جعفر ضعفاء جمعا.
٤ ـ إنّما كرّر العدد في الناسخ والمنسوخ لأنّ الحال قد يتفاوت في المقاومة فربّما لا يقاوم العشرة المائة ويقاوم المائة الألف وكذلك قد لا يقاوم المائة المائتين ويقاوم الألف الألفين فالتكرار للدلالة على وقوع الغلبة للمؤمنين مع قلّتهم وكثرتهم وبعبارة اخرى إنّما ذكرت القرينة الثانية للدلالة على أنّ غلبة المؤمنين متحقّقة وإن ازداد الكفّار بتلك النسبة أضعافا مضاعفة.
٥ ـ أنّ مدلول الآية وجوب ثبات الجمع لمثليه وأنّه لا يجب لو كان العدوّ أكثر من الضعف فعلى هذا هل يجوز انهزام مائة بطل عن مائتي ضعيف وواحد من اثنين أم لا؟ الأولى لا يجوز لأنّ العدد معتبر مع تقارب الأوصاف فعلى هذا يجوز هرب مائة ضعيف من المسلمين من مائة بطل مع ظنّ العجز وفيه نظر.