الثالثة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (١).
قال الراونديّ والمعاصر : إنّها نزلت في أهل البصرة ونقلا ذلك عن الباقر عليهالسلام وابن عباس وعمّار وعن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال يوم الجمل : « والله ما قوتل أهل هذه الآية حتّى اليوم » (٢) وتلا الآية. وعن حذيفة مثله وعندي فيه نظر بل هي أعمّ من ذلك وإنّما هي خطاب لكافّة المؤمنين في حياة الرسول صلىاللهعليهوآله وإعلام منه تعالى أنّ منهم من يرتد بعد وفاته بالقيام والتمالؤ على وصيّه صلىاللهعليهوآله وإنكارهم النصّ عليه وذلك هو ما يقوله جمهور أصحابنا أنّ دافعي النصّ كفرة والارتداد هو قطع الإسلام بما يوجب الكفر فيكون ذلك شاملا لأهل البصرة وغيرهم.
وقول عليّ عليهالسلام « والله ما قوتل أهل هذه الآية حتّى اليوم » حقّ وصدق فانّ منكري إمامته من المتقدّمين لم يقع بينه وبينهم قتال بل أوّل قتال وقع له عليهالسلام بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله هو حرب الجمل فلذلك قال ما قال وقد عرفت أنّه مهما أمكن حمل الكلام على عمومه فهو أولى.
ويدلّ على أنّ الارتداد بإنكار النصّ والقيام على أمير المؤمنين عليهالسلام ذكر أوصافه في متن الآية بقوله « يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ » فهو كقول النبيّ صلىاللهعليهوآله يوم خيبر : « لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّار » (٣)
__________________
(١) المائدة : ٥٧.
(٢) راجع مجمع البيان ج ٣ ص ٢٠٨.
(٣) حديث متفق عليه راجع صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٩٩ وج ٣ ص ٥١ ، مشكاة المصابيح ص ٥٦٣. سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٣٤.