وقوله « أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » أي من شدّة تواضعهم ولين جانبهم يكونون كالذليل وقوله « أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ » أي من شدّتهم في ذات الله ودينه يكونون على الكافرين كالقاهر والغالب على من بيده (١) وكذا قوله « يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ » وقوله « وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ » فهذه الصفات الخمس نصوص على أنّه عليه الصلاة والسلام هو المراد بذلك ولذلك أردفه أيضا بقوله ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٢) ولا يشكّ في ذلك كلّه إلّا مكابر.
قوله « ذلِكَ فَضْلُ اللهِ » أي تلك الأوصاف هبة ومنحة من الله سبحانه يخصّ بها من يشاء من عباده ممّن علم منه قبول الألطاف الإلهيّة واستعدّ للمنح الربّانيّة لاستحالة العبث عليه تعالى.
الرابعة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٣).
« اتَّقُوا اللهَ » باجتناب معاصيه « وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » بفعل طاعاته ولمّا كان هذان القسمان إنّما يتمّان بقهر القوّة الغضبيّة والشهوانيّة والمحاربة مع النفس الأمّارة واللّوّامة أردفه بالأمر بالجهاد معهما في سبيل الله أي جهادا حاصلا في طريقه وطلب مرضاته لا لغير ذلك من الأغراض إذ لو لا ذلك الجهاد لم يحصل التقوى والوسيلة فلم يحصل الفوز برضوان الله واستحقاق دخول جنانه كما قال سبحانه ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) والاستفهام على سبيل الإنكار.
__________________
(١) نبذه ، خ.
(٢) المائدة : ٥٨.
(٣) المائدة : ٣٨.
(٤) آل عمران : ١٤٢.