الأصل تقول نجس بكسر العين ينجس بفتحها نجسا بفتحتين فهو نجس بفتح العين وكسرها وإذا استعمل مع الرّجس كسر أوّله ويقال رجس نجس بكسر أوّلهما وسكون الجيم قاله الفرّاء وقرئ به شاذا ولكون النّجس مصدرا في الأصل لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث قال ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ولم يقل نجسون والمراد بالمسجد الحرام قيل هو جملة الحرم سمّي به تسمية للشيء باسم أشرف أجزائه ( فَلا يَقْرَبُوا ) قيل المراد أمر المؤمنين أن لا يمكّنوهم منه ولذلك صدّر الآية بيا أيّها الّذين آمنوا والنهي عن الاقتراب للمبالغة أو للمنع من دخول الحرم وذلك العام قبل سنة حجّة الوداع والأصحّ أنّه سنة تسع لمّا بعث أبا بكر ببراءة ثمّ أمره الله بردّها وأن لا يقرأها إلّا هو أو أحد من أهله فبعث عليّا عليهالسلام ويدلّ عليه قول عليّ عليهالسلام « لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك » (١) وبه قال أبو حنيفة وفي الآية أحكام :
١ ـ إنّ المشركين أنجاس نجاسة عينيّة لا حكميّة وهو مذهب أصحابنا (٢)
__________________
(١) راجع الدّر المنثور والعيّاشي وغيرهما من التفاسير آيات أول براءة.
(٢) الإنصاف انّ دلالة الآية على نجاسة المشرك ظاهرة ، والاشكال عليه بان النجس مصدر لا يصح حمله على العين الّا بتقدير ذو ليكون في الإضافة أدنى ملابسة. مدفوع بصحة حمل المصدر على العين للمبالغة ، نحو زيد عدل ، ويشهد لإرادته المنع من دخولهم المساجد كلية ولا كلية في تلوّثهم بالنّجاسة الوصفيّة. مضافا الى انّ بعض أهل اللّغة صرّحوا بانّ النّجس بالفتح وصف كالنجس بالكسر ، ولو سلّم انّ المراد ذو نجاسة ، أمكن الاستدلال على النّجاسة الذّاتية بإطلاقه حيث يشملهم مع عدم ملاقاة الأعيان النجسة ، ومع استعمال المطهّر ، والإيراد بأنّه لم يثبت الحقيقة الشرعيّة للنجس مدفوع بثبوت الحقيقة المتشرّعة ، والألفاظ المستعملة في لسان الشّارع إذا تعذّر حملها على المعنى العرفي فإنّها تحمل على المفهوم عند المتشرعة والحمل على المعنى العرفي في الآية كما ذكره المقدّس الأردبيلي خلاف وظيفة الشارع وخلاف ما هو الواقع في كثير من المشركين ولا يختص بهم بل يشاركهم فيه غيرهم من المسلمين ، ولا يناسب الحكم المفرع عليه ولو جاز التشكيك المذكور في الآية لجاز مثله فيما ورد في الكلب من انه نجس ولم يحتمله احد بل عدوه