مصالحهم وقدّم الرّؤف وهو أبلغ لتوافق الفواصل.
الثّالثة ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ ) (١).
في الآية فوائد :
١ ـ المشهور أنّ « قَدْ نَرى » معناه ربّما نرى ومعناه التّكثيركقوله « قد أنرك القرن مصفرا أنامله » (٢) والتّحقيق أنّه على أصل التّقليل في دخوله على المضارع وإنّما قلّل الرّؤية لتقلّل المرئيّ فإنّ الفعل كما يقلّ في نفسه فكذلك يقلّ لقلّة متعلّقه ولا يلزم من قلّة الفعل المتعلّق قلّة الفعل المطلق لأنّه لا يلزم من عدم المقيّد عدم المطلق وكذا القول في ( قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ) (٣) وكذا في البيت المراد تقليل التّرك لقلّة متعلّقه فلا ينافي كثرة مطلق التّرك المقصود للشّاعر.
٢ ـ « تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ » أي تردّد وجهك وتصرّف نظرك تطلّعا للوحي كذا قيل والتّحقيق أنّه لا يجوز تعلّق « فِي السَّماءِ » ب « نرى » لتنزّه الرّائي عن المكان ولا بالتّقلّب لأنّ تقلّب الوجه ليس في السّماء ولا بصفة مقدّرة أي وجهك الكائن في السّماء لما قلناه بل تقديره تقلّب مطارح شعاع عين وجهك في السّماء ومطارح شعاع العين في السّماء.
بيان غلط : ظهر لك ممّا قرّرناه غلط من استدلّ بهذه الآية على كون الباري تعالى في جهة السّماء من حيث توقّعه صلىاللهعليهوآله نزول الحكم من السّماء والحكم يجيء من عند الله تعالى فيكون في السّماء وأقرّ على ذلك من غير إنكار. جوابه أنّه كان ينتظر الوحي من جهتها على لسان جبرئيل عليهالسلام ولا يلزم من ذلك كون الباري فيها وإلّا
__________________
(١) البقرة : ١٤٤.
(٢) بعده : كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد ، والفرصاد الصبغ الأحمر أو التّوت الأحمر.
(٣) الأحزاب : ١٨.