قوله ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) كان بنو عامر في أيّام حجّهم لا يأكلون الطّعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظّمون بذلك حجّهم فقال المسلمون نحن أحقّ بفعل ذلك فنزلت الآية.
واعلم أنّ خصوص السّبب لا يخصّ العامّ كما بيّن في الأصول فالآية حينئذ عامّة في الأمر بالأكل والشّرب وعدم الإسراف فيهما وفيه جمع لقواعد الطبّ البدنيّ في بعض آية وكذا جمع النبيّ صلىاللهعليهوآله في قوله : « المعدة بيت الداء والحميّة رأس الدّواء وأعط كلّ بدن ما عوّدته » وقضيّة عليّ بن واقد بين يدي الرّشيد مع بختيشوع الطّبيب مشهورة (١).
الثّالثة ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) (٢).
لا ريب أنّ إسناد التّحريم إلى الذّوات ليس حقيقة لكونها غير مقدورة فلا بدّ من تقدير مضاف يتعلّق به التّحريم فقال قوم ليس بعض المقدّرات أولى من بعض
__________________
فيكم أهل البيت فرآك أولى النّاس بالنّاس فرأى أن يرد هذا الأمر إليك والأمة تحتاج الى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض وكان الرّضا عليهالسلام متّكئا فاستوى جالسا ثم قال : كان يوسف نبيّا يلبس أقبية الدّيباج المطرّزة بالذهب ويجلس على متّكئات آل فرعون ويحكم انّما يراد من الامام قسطه وعدله وإذا قال صدق وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز انّ الله لم يحرم ملبوسا ولا مأكولا وتلا « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ». راجع كشف الغمّة ج ٣ ص ١٤٧.
(١) قال الزّمخشري في الكشّاف : يحكى أن الرّشيد كان له طبيب نصرانيّ حاذق فقال ذات يوم لعلىّ بن الحسين بن واقد : ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان. فقال له قد جمع الله الطّب كلّه في نصف آية من كتابه قال وما هي؟ قال قوله « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا » فقال النّصراني هل يؤثر من رسولكم شيء في الطّب فقال قد جمع رسولنا صلىاللهعليهوآله الطّب في ألفاظ يسيرة قال وما هي قال قوله « المعدة بيت الدّاء والحميّة رأس الدّواء وأعط كل بدن ما عودّته » فقال النّصراني ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبّا. راجع ج ٢ ص ٦٠.
(٢) المائدة : ٤.