فقال له أبو جهل : لكن أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة ، فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا (١) ، ثم تسلحوه حساما عضبا (٢) ، وتمهل الفتية حتى إذا غسق الليل وغور بيتوا بابن أبي كبيشة بياتا ، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش في صاحبهم ، فيرضون حينئذ بالعقل (٣) منهم ، فقال صاحب رأيهم : أصبت يا أبا الحكم.
ثم أقبل عليهم فقال : هذا الرأي فلا تعدلوا به رأيا ، وأوكئوا في ذلك أفواهكم (٤) حتى يستتب أمركم ، فخرج القوم عزين (٥) ، وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل عليهالسلام ، فتلا هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) (٦).
فلما أخبره جبرئيل عليهالسلام بأمر الله في ذلك ووحيه ، وما عزم له من الهجرة ، دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا عليهالسلام ، وقال له : يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا ، يخبرني أن قريشا اجتمعوا على المكر بي وقتلي ، وأنه أوحى إلي ربي ( عزوجل ) أن أهجر دار قومي ، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي ـ أو قال : مضجعي ـ ليخفى بمبيتك عليه أثري ، فما أنت قائل ، وما صانع؟ فقال علي عليهالسلام : أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال : نعم ، فتبسم علي عليهالسلام ضاحكا ، وأهوى إلى الأرض ساجدا ، شكرا بما أنبأه رسول الله صلىاللهعليهوآله من سلامته ، وكان علي (صلوات الله عليه) أول من سجد لله شكرا ، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما
__________________
(١) النجد : الشجاع.
(٢) أي قاطعا.
(٣) العقل : الدية.
(٤) أي سدوها.
(٥) العزون : جمع عزة ، وهي الفرقة من الناس.
(٦) سورة الأنفال ٨ : ٣٠.