رفع رأسه قال له : امض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي ، ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك ، واقع منه بحيث مرادك ، وإن توفيقي إلا بالله.
قال : وإن القى عليك شبه مني ، أو قال : شبهي ، قال : إن ـ بمعنى نعم (١) ـ قال : فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي ، ثم إني أخبرك يا علي أن الله ( تعالى ) يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك يا بن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل ، فصبرا صبرا ، فإن رحمة القريب من المحسنين ثم ضمه النبي صلىاللهعليهوآله إلى صدره وبكى إليه وجدا به ، وبكى علي عليهالسلام جشعا (٢) لفراق رسول الله صلىاللهعليهوآله.
واستتبع رسول صلىاللهعليهوآله أبا بكر بن أبي قحافة وهند بن أبي هالة ، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار ، ولبث رسول الله صلىاللهعليهوآله بمكانه مع علي عليهالسلام يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين.
ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله في فحمة العشاء الآخرة ، والرصد من قريش قد أطافوا بداره ، ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) (٣) وأخذ بيده قبضة من تراب ، فرمى بها على رؤوسهم ، فما شعر القوم به حتى تجاوزهم ، ومضى حتى أتى إلى هند وأبي بكر فنهضا معه ، حتى وصلوا إلى الغار.
ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ودخل رسول الله صلىاللهعليهوآله وأبو بكر إلى الغار ، فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع
__________________
(١) تأتي ( إن ) بمعنى ( نعم ) من أحرف الجواب.
(٢) الجشع : أشد الحرص.
(٣) سورة يس : ٣٦ : ٩.