هذا آخر كلام شيخنا في مسائل خلافه ، في الجزء الثاني (١).
وروى أبو بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة ، وأهل الإنجيل يتحاكمون إليه ، كان ذلك إليه ، إن شاء حاكم بينهم (٢) ، وإن شاء تركهم (٣).
هذا الخبر صحيح ، وعليه إجماع أصحابنا من عقد ، لأنّ الحاكم بالخيار في ذلك ، إن شاء حكم ، وإن شاء ترك ، ولا يجب عليه الحكم ، إلا أنّه إن حكم ، فلا يجوز له أن يحكم إلا بما تقتضيه شريعة الإسلام وعدله ، ولا يجوز له أن يحكم إلا بالحق ، لقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٤) وإن شاء أعرض عنهم لقوله تعالى ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (٥) فقد خيره في ذلك.
وروى طلحة بن زيد ، والسكوني جميعا ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهالسلام ، أنّه كان لا يجير كتاب قاض إلى قاض ، في حدّ ، ولا غيره ، حتى وليت بنو أمية ، فأجازوا بالبينات (٦).
قوله : فأجازوا بالبينات يريد بذلك ، أنّ هذا كتاب فلان القاضي ، لا أن (٧) المقصود أجازوا الأحكام بالبيّنات ، وقد بيّنا ، أنّه لا خلاف بين أصحابنا ، سلفهم وخلفهم ، بل إجماعهم منعقد ، على أنّه لا يجوز كتاب قاض إلى قاض ، ولا يعمل به ، ولا يحكم ، لأنّ ذلك حكم شرعي ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.
وأيضا فلا يجوز للحاكم الثاني ، والقاضي الثاني ، أن يقلد القاضي الأول ، بل يجب عليه أن يحكم بالحق ، وإقامة البينة ، أو الإقرار ، وما ثبت من ذلك عنده ، دون ما ثبت عند غيره.
__________________
(١) الخلاف : كتاب التفليس مسألة ١٥.
(٢) ج : حكم بينهم.
(٣) الوسائل : الباب ٢٧ من أبواب كيفية الحكم ، ح ١.
(٤) المائدة : ٤٧.
(٥) المائدة : ٤٢.
(٦) الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب كيفية الحكم ، ح ١.
(٧) ج : لأن.