المجيء لم يسع أحدا مخالفته والمعنى عليه ( خُذِ الْعَفْوَ ) (١) أي السهل من أخلاق الناس ولا تغلظ عليهم ولا تعنف بهم وكذا كانت أخلاقه صلىاللهعليهوسلم أنه ما لقي أحدا بمكروه في وجهه ولا ضرب أحدا بيده وقيل لعائشة رضياللهعنها ما كان خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي مدحه الله تعالى به فقال ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) فقالت كان خلقه القرآن .. وزعم محمد بن جرير أن هذا أمر للنبي صلىاللهعليهوسلم في الكفّار أمره بالرفق بهم واستدل على أنه في المشركين بان ما قبله وما بعده فيهم قال لأن قبله احتجاجا عليهم قال ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون وبعده واخوانهم يمدونهم في الغي وخالفه غيره فقال أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالاخلاق السهلة اللينة لجميع الناس بل هذا للمسلمين أولى .. وقد قال ابن الزبير وهو الذي فسر الآية والله لأستعملن الأخلاق السهلة ما بقيت كما أمر الله في الآية ( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) (١) قال عروة والسدي العرف المعروف .. [ قال أبو جعفر ] والذي قالاه معروف في اللغة يقال أولاني فلان معروفا وعرفا وعارفة .. وفي الحديث العرف أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك .. وهذا من كلام العرب ومن اختصار القرآن المعجز لأنه قد اجتمع في قوله ( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) هذه الخصال الثلاث ويدخل فيه الأمر بالمعروف والقبول عن الله ما أمر به وما ندب اليه وهذا كله من العرف وفيها ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) (١) زعم ابن زيد أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال .. وقال غيره ليست بمنسوخة وانما أمر باحتمال من ظلم وما بعده هذه الآية أيضا يدل على أن القول كما قال ابن الزبير وأنه صلىاللهعليهوسلم أمر بالسهل من الأخلاق وترك الغلظة لأن بعدها ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ ) (٣) أي واما يغضبنك من الشيطان وسوسة تحمل على ترك الاحتمال ( فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ) (٣) أي استجر به مما عرض لك انه سميع لاستجارتك وغيرها عليم بما يزيل عنك ما عرض لك وبعدها أيضا يدل على ما قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) (٤) أي اتقوا الله تعالى بأداء فرائضه وترك معاصيه ( إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ ) (٤) أي عارض وسواس منه ( تَذَكَّرُوا ) (٤) وعد الله ووعيده وعقابه ( فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ) (٤) الحق آخذون بما أمرهم الله تعالى به من التحامل عند الغضب والغلظة على ما قد نهوا عن الغلظة عليه.
__________________
(١) سورة : الأعراف ، الآية : ١٩٩.
(٢) سورة : القلم ، الآية : ٤.
(٣) سورة : الأعراف ، الآية : ٢٠٠.
(٤) سورة : الأعراف ، الآية : ١٩٩.