توقفوا أن يأكلوا لأحد شيئا اذا لم يكن ذلك على سبيل تجارة أو عوض وان أذن لهم صاحب الطعام فأباح الله ذلك ان أذن فيه صاحبه وتأوله غيره على أن الاذن فيه وان لم يطلق ذلك صاحبه اذا علم انه ليس ممن يمنعه واستدل على صحة هذا القول بانه ليس في الآية ذكر الاذن وانما قال جل ثناؤه و ( أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ) لأن منزل الرجل قد يكون فيه ما ليس له وما يكون لأهله ( أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ ) (١) الى آخر الآية ولم يذكر الابن فيها فتأول هذا بعض العلماء على ان منزله ومنزل ابنه واحد فلذلك لم يذكره وعارضه بعضهم فقال هذا تحكم على كتاب الله بل الأولى في الظاهر أن لا يكون الابن مخالفا لهؤلاء وليس الاحتجاج بما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنت ومالك لأبيك يقوي هذا فان الحديث لو صح لم تكن فيه حجة إذ قد يجوز أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم علم أن مال ذلك المخاطب لأبيه .. وقد قيل ان معناه أنت لأبيك ومالك مبتدأ أي ومالك لك والقاطع لهذا التوارث من الاب والابن .. وممن قال ان الآية ناسخة لما كان محظورا عليهم من الاكل مع الأعمى .. ومن ذكر معه مقسم كما روى سفيان عن قيس بن مسلّم عن مقسم قالوا كانوا يتقون أن يأكلوا مع الأعمى والأعرج والمريض حتى أنزل الله تعالى ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) .. [ قال أبو جعفر ] فهذا القول غلط لأن الآية ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ) فكيف يكون هذا ناسخا للحظر عليهم الأكل معه ولو كان هذا يكون ليس على الأكل مع الأعمى حرج على ان بعض النحويين .. قد احتال لهذا القول فقال قد تكون على بمعنى في وفي بمعنى على ويكون التقدير على هذا ( ليس في الأعمى حرج ) وهذا القول بعيد لا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله الا بحجة قاطعة .. وأما قول من قال كان الأعمى لا يأكل مع البصير وكذا الأعرج والمريض لئلا يلحقه منه أذى فقول يجوز ولكن أهل التأويل على غيره .. والقول السادس ان الآية محكمة وانها نزلت في شيء بعينه قول جماعة من أهل العلم ممن يقتدى بقوله .. منهم سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة في جماعة من أهل العلم كما حدثنا .. علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا أبو أويس عن الزهري عن سعيد بن المسيب في هذه الآية ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم الآية نزلت في اناس كانوا اذا خرجوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند أهل العلل ممن يتخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم فكانوا يأذنون لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم اذا احتاجوا الى ذلك وكانوا يتّقون أن يأكلوا منها ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فأنزل الله
__________________
(١) سورة : النور ، الآية : ٦١