خارج عن الآية .. وقد علم أن المعنى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) على ما أمرتم فلا يمتنع أن يكون ما أمرنا به من الإقساط اليهم وهو العدل فيهم ومن برهم أي الاحسان اليهم بوعظهم أو غير ذلك من الإحسان ثانيا .. فمن ذلك أنه قد أجمع العلماء على أن العدوّ اذا بعد وجب أن لا يقاتل حتى يدعا ويعرض عليه الإسلام فهذا من الإحسان إليهم والعدل فيهم .. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان اذا غزا قوما الى بلاد أمرهم أن لا يقاتلوا حتى يدعوا من عزموا على قتاله الى الإسلام .. وهذا قول مالك بن أنس في كل من عزم على قتاله وهو مروي عن حذيفة .. وقول الحسن والنخعي وربيعة والزهري والليث بن سعد انه لا يدعى من بلغته الدعوة وهو قول الشافعي وأحمد واسحاق .. والقول الثاني انها مخصوصة للمؤمنين الذين لم يهاجروا مطعون فيه لأن أول السورة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ) (١) والكلام متصل فليس من آمن ولم يهاجر يكون عدوا لله وللمؤمنين .. والقول الثالث يرد بهذا فصح القول الرابع .. وفيه من الحجة أيضا ان بر المؤمن من بينه وبينه نسب أو قرابة من أهل الحرب غير منهي عنه ولا محرم لأنه ليس في ذلك تقوية له ولا لأهل دينه بسلاح ولا كراع ولا فيه إظهار عورة للمسلمين .. والحجة الرابعة أن تفسير الآية إذا جاء عن صحابي لم يسع أحدا مخالفته ولا سيما اذا كان مع قوله توقيف سبب نزول الآية .. [ قال أبو جعفر ] وقد وجدنا هذا حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي الطحاوي قال حدثنا اسماعيل بن يحيى قال حدثنا محمد بن ادريس عن أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء ابنة أبي بكر .. قالت قدمت عليّ أمي وهي في عهد قريش اذ عاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاستفتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت يا رسول الله ان أمي قدمت عليّ وهي مشركة أفأصلها قال نعم صلي أمك وحدثنا .. أحمد بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قدمت قتيلة ابنة العزى بن أسعد على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر بهدايا سمن وتمر وقرظ فأبت أن تقبلها ولم تدخلها منزلها فسألت عائشة رضياللهعنها عن ذلك فنزلت ( لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ] فقد بان ما قلنا بهذين الحديثين وبما ذكرنا من الحجج.
__________________
(١) سورة : الممتحنة ، الآية : ١
(٢) سورة : الممتحنة ، الآية : ٨