وهذا إسناد مستقيم وهو أولى من الأول من غير جهة وذلك ان في الحديث هبطوا من التنعيم والتنعيم من بطن مكة وأبو بصير كان بسيف البحر وسيف البحر كان ليس من بطن مكة وأيضا فان في الحديث الظفر بهم وليس في ذلك ظفر .. وفي الحديث الأول ما دل على أنه من جالس إماما أو عالما فرأى انسانا قد ألحقه مكروها فينبغي أن يغيره ويصوب الإمام والعالم عن الكلام فيه لأن عروة بن مسعود لما أخذ بلحية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضرب المغيرة بن شعبة يده بنصل السيف وقال أخّر يدك عن لحية رسول الله صلىاللهعليهوسلم .. وفيه استعمال الحكم من أدب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما أمره الله عز وجل في كتابه فقال تعالى ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) (١) ومن أحسن ما قيل في هذه الآية ما قاله ابن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل قال أنبأنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال أمر الله المؤمنين بالصبر عند الجزع والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فاذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم ( كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) قال الذين أعد الله لهم الجنة .. وفي الآية التي قصدت لذكرها ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٢) فللشافعي فيها قولان .. أحدهما ان هذا منسوخ قال الشافعي واذا جاءتنا المرأة الحرة من أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من أهل الحرب إلى الإمام في دار الإسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض واذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره بوكالته ففيه قولان أحدهما يعطي العوض والقول ما قال الله عز وجل وفيه قول ثان وهو ان لا يعطي الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض وإن شرط الإمام رد النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال ان شرط رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأهل الحديبية فيه أن يرد من جاء منهم وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا فنسخه الله ورد العوض فلما قضى الله عز وجل ثم رسوله صلىاللهعليهوسلم ان لا يرد النساء كان شرطا من شرط رد النساء منسوخا وليس عليه ان يعوض لأن شرطه المنسوخ باطل ولا عوض للباطل .. [ قال أبو جعفر ] وهذا القول عنده أشبه القولين ان لا يعطي عوضا وقد تكلم على ان النبي صلىاللهعليهوسلم صالحهم على رد النساء ثم نسخ الله عز وجل ذلك فكان في هذا نسخ السنة بالقرآن ومذهبه غير هذا لأن مذهبه أن لا ينسخ القرآن الا قرآن ولا ينسخ السنّة الا السنّة فقال بعض أصحابه
__________________
(١) سورة : فصلت ، الآية : ٣٤
(٢) سورة : الممتحنة ، الآية : ١٠