والنسخ في لغة العرب رفع الشيء وفي القرآن على وجهين .. أحدهما نقل الكتابة من موضع الى موضع وذلك قوله تعالى .. ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١) .. والوجه الثاني هو رفع حكم ثابت بخطاب ثابت لولاه لكان محكما ثابتا بالخطاب الأول .. ومعنى الناسخ هو أنه رفع الحكم ومعنى المنسوخ المرفوع المكتوب المتروك حكمه والعمل به وهو على ثلاثة أوجه .. أحدها ما نسخ خطه وحكمه وبلغني أن عبد الله بن مسعود قال أقرأني النبي صلىاللهعليهوسلم آية وسورة فحفظتها وأثبتها في مصحفي فلما كان الليل رجعت الى حفظي فلم أجد منها شيئا وغدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء فأخبرت النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك فقال لي يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة .. والوجه الثاني ما رفع خطه وبقي حكمه وذلك ما أخبرني سعيد بن أحمد بن محمد النيسابوري قال أخبرني محمد بن عبد الله قال أخبرني عمر بن الحسين عن داود عن محمد بن عبيدة قال قال عمر رضياللهعنه لو لا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبت بيدي آية الرجم فقد قرأناها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله .. والوجه الثالث ما نسخ حكمه ولم يرفع خطه وذلك يأتي بيّنا فيما بعد .. والنسخ على ثلاثة أوجه لا خلاف لهم فيه .. والوجه الرابع ما بقي خطه وفيه خلاف والثلاثة التي لا خلاف فيها .. أحدها نسخ الكتاب بالكتاب والدليل قوله عز وجل ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (٢) وقال الله تعالى ( وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ ) (٣) .. والوجه الثاني نسخ السنة بالكتاب والدليل عليه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما دخل المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال النبي صلىاللهعليهوسلم نحن أحقّ بصيامه من اليهود فلما نزل قوله تعالى ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) (٤) الآية صار صوم عاشوراء منسوخا فقال صلىاللهعليهوسلم : « إن يوم عاشوراء لم يفرضه الله عليكم فمن شاء صامه ومن شاء أفطر ونظائرها كثيرة كالمتعة وغيرها » .. والثالث نسخ السنة بالسنة لقول النبي صلىاللهعليهوسلم : « اني نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي أن تدخروها فوق ثلاث ألا فادخروها ما بدا لكم » ولقوله صلىاللهعليهوسلم : « ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها » ولقوله : « الا اني كنت أحللت لكم الأطعمة الا قد حرمتها عليكم فليبلّغ الشاهد الغائب » ..
__________________
(١) سورة : الجاثية ، الآية : ٢٩
(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٠٦
(٣) سورة : النحل ، الآية : ١٠١
(٤) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٥