باب
ذكر الآية الخمس عشرة
قال الله عز وجل ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ) (١) الآية فقال قوم هي ناسخة لحظر القتال عليهم ولما أمروا به من الصفح والعفو بمكة .. وقال قوم هي منسوخة وكذا قالوا في قوله ( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) (٢) والناسخ لها ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (٣) .. وقال قوم هي على الندب لا على الوجوب .. وقال قوم هي واجبة والجهاد فرض .. وقال عطاء هي فرض إلا أنها على غيرنا يعني أن الذي خوطب بهذا الصحابة [ قال أبو جعفر ] هذه خمسة أقوال .. فأما القول الأول وانها ناسخة فبين صحيح .. وأما قول من قال هي منسوخة فلا يصح لأنه ليس في قوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة نسخ لفرض القتال .. وأما قول من قال هي على الندب فغير صحيح لأن الأمر اذا وقع بشيء لم يحمل على غير الواجب إلا بتوقيف من الرسول صلىاللهعليهوسلم أو بدليل قاطع .. وأما قول عطاء إنها فرض على الصحابة فقول مرغوب عنه وقد رده العلماء حتى قال الشافعي في الرامة من قال وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إن هذا للنبي صلىاللهعليهوسلم خاصة ولا يصلي صلاة الخوف بعده فعارضه بقول الله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (٤) .. فقول عطاء أسهل ردا من قول من قال هي على الندب لأن الذي قال هي على الندب قال هي مثل قوله ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) (٥) الآية [ وقال أبو جعفر ] وليس هذا على الندب وقد بيناه فيما تقدم .. وأما قول من قال إن الجهاد فرض بالآية فقوله صحيح وهذا قول حذيفة وعبد الله بن عمرو وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا إلا أنه فرض يحمله بعض الناس عن بعض فإن احتيج الى الجماعة نفروا فرضا واجبا .. لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام .. قال حذيفة : الاسلام ثمانية أسهم الاسلام سهم والصلاة سهم والزكاة سهم والصيام سهم والحج سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٦
(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٤١
(٣) سورة : التوبة ، الآية : ١٢٢
(٤) سورة : التوبة ، الآية : ١٠٣
(٥) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٠