فأتيتهم في حش قال والحش البستان فإذا عندهم رأس جزور مشوي وزق خمر فأكلنا وشربنا فذكرت الأنصار فقلت المهاجرين خير من الأنصار فأخذ رجل منهم أحد لحيي الرأس فجرح به أنفي فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته فنزلت ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) (١) الآية [ قال أبو جعفر ] وفي حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس نزل تحريم الخمر في حيين من قبائل الأنصار لما ثملوا شج بعضهم بعضا ووقعت بينهم الضغائن فنزلت ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) إلى ( مُنْتَهُونَ ) (٢) [ قال أبو جعفر ] فهذا يبين أن الآية ناسخة .. ومن الحجة لذلك أيضا ان جماعة من الفقهاء يقولون بتحريم الخمر بآيتين من القرآن بقوله تعالى ( قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ) (٣) وبقوله ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ ) (٤) فلما حرم الإثم وأخبر أن في الخمر الإثم وجب أن تكون محرمة .. فأما قول من قال إن الخمر يقال لها الاثم فغير معروف من حديث ولا لغة والقول الأول جائز وأبين منه أنها محرمة بقوله فاجتنبوه واذا نهى الله تعالى عن شيء محرم وفي الأحاديث التي ذكرناها ما يحتاج الى تفسير فمن ذلك ثملوا معناه سكروا وبعضهم يروي في حديث سعد ففرز به أنفي أي فلقه وشقه ومنه فرزت الثوب والفرز القطعة من الغنم وفي الاحاديث في سبب نزول تحريم الخمر أسباب يقول القائل كيف يتفق بعضها مع بعض وعمر يقول شيئا وسعد يقول غيره وابن عباس يقول بسواهما [ قال أبو جعفر ] فالجواب أن الأحاديث متفقة لأن عمر سأل بيانا شافيا في تحريم الخمر ولم يقل نزلت في ذلك لا في غيره فيجوز أن يكون سؤال عمر وافق ما كان من سعد بن أبي وقاص من الحيين الذين من قبائل الأنصار فيتفق الحديث ولا يتضاد .. وفيها من الفقه أن منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدل بهذا على أن القول ليس كما قال بعض الفقهاء إن السكران الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى وأن رجلا لو قال له وأشار الى السماء ما هذه فقال الأرض لم يكن سكران لأنه قد فهم عنه كلامه ولو كان الأمر على هذا لما جاز أن يخاطب من لا يعرف الذكر من الأنثى ولا يفهم الكلام فيقال له لا تقرب الصلاة وأنت سكران .. فبيّن بهذا الحديث أن السكران هو الذي أكثر أمره التخليط .. وقد حكى أحمد بن الحجاج أن أحمد بن صالح سأل عن السكران فقال أنا أجد فيه ما رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار عن يعلى بن أمية عن أبيه قال سألت عمر بن الخطاب رضياللهعنه عن حد السكران فقال هو الذي اذا استقرأته سورة من القرآن لم يقرأها واذا اختلط ثوبه مع ثياب الناس لم
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٩٠
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٩١
(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٩
(٤) سورة : الأعراف ، الآية : ٣٣