فإن قلنا : إنَّ الرسول لم يكن مأموراً بالوصيَّة ، أفلا يصحَّ أن نقول إنَّه اقتدىٰ بأبيه إبراهيم ؟ وقد شهد له القرآن بذلك حيث قال : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ ... ) (١).
قد يتساءل البعض عن سبب تأخَّر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كتابته للوصيَّة حتَّىٰ ظنَّ البعض أنَّه ـ حسب تعبيرهم ـ يهجر ، فلو أنَّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم تعجَّل في الأمر لما كان هذا الجدال والبحث .. لقد فات هؤلاء الشيء الكثير ، وأوّله : إنّه ليس شرط الوصية أن تكون مكتوبة ، بل يكفي فيها أن تكون مشهودة ، كما سيأتي في النصّ القرآني .. والثاني : إن ما أراد النبي أن يكتبه في مرضه الأخير كان قد قاله أكثر من مرّة ، وذكّر به في مناسبات متعددة.
والثالث : إن صاحب الوصية يضطرّ إلىٰ كتابتها حين يشعر بوقوع الاختلاف من بعده ، وهذا ما فعله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وفي القرآن الكريم ما يؤكد أن الوصية لا يشترط فيها الكتابة ، ويؤكد أيضاً أنها قد تكون عند حضور الموت ..
قال تعالىٰ : ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٢).
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦٨.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٣٣.