وقال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ... ) (١).
فليس هناك غرابة في أن تكون وصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل الموت أو ساعة الاحتضار ، وأن تكون شفاهية غير مكتوبة .. هذا مع التذكير بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أوصى بهذا الأمر مراراً كما قدّمنا.
لنفرض أنَّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بما يملكه من روح طاهرة ونفس كبيرة خاف أن تضيع الرسالة بعد وفاته ، إذ إنَّه سمع جبرئيل يقول عن الله سبحانه : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) (٢) فلنقل إنَّه خشي أن تضيع أتعابه التي قال عنها : « ما أُوذي أحدٌ مثل ما أُوذيت في الله » (٣) فأراد أن يكتب كتاباً لن يضلَّ المسلمون بعده ... فهل في ذلك ضرر علىٰ أحد ؟ أم أنَّه طلب شيئاً ليس له دخل فيه ، ولا من شؤونه ؟
إنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتألَّم في حياته من ضلال الناس حتَّىٰ أخبره الله سبحانه بقوله : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (٤) ؟ ، وقال له : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) (٥).
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ١٠٦.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٤.
(٣) كنز العمَّال / المتقي الهندي ٣ : ١٣٠ / ٥٨١٨ ط. مؤسَّسة الرسالة ١٤٠٩ ه ، حلية الأولياء / أبو نعيم ٦ : ٣٣٣.
(٤) سورة القصص : ٢٨ / ٥٦.
(٥) سورة فاطر : ٣٥ / ٨.