لم يوصِ ساعة موته ، غير أنَّها لم تذكر أنَّه أراد أن يوصي لشخص أو بشيءٍ ما ـ هذا علىٰ أقلِّ تقدير ـ غير أنَّ أحدهم منعه أو صرفه أو راجعه ، فترك الرسول الوصيَّة ، فلو أنَّها ذكرت ذلك لكان أقرب إلىٰ الحقيقة من إنكارها التامّ هذا.
وهذا الإنكار للوصيَّة جهد ذهب أدراج الرياح ولم يمنحه التأريخ أيَّ أهمية ، فقد نقل مسلم الذي نقل هذا الحديث أحاديث أُخرىٰ بعده تماماً توضح الحادثة بشكل أكثر واقعية ودقَّة.
وأخرج البخاري أنَّ طلحة بن مُصَرِّف سأل عبدالله بن أبي أوفىٰ قال : هل كان النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أوصىٰ ؟ فقال : لا. فقال : كيف ، كتب علىٰ الناس الوصيَّة ، أو أُمِروا بالوصيَّة ؟ قال : أوصىٰ بكتاب الله (١).
وفي رواية مسلم عن طريق آخر يقول : قُلت : كيف كتب علىٰ المسلمين الوصيَّة ؟ (٢).
فهذا السؤال طرحه قبلنا المسلمون ، وأنكروا أن يترك الرسول الناس بلا وصيَّة ، كيف ذلك وجاءهم هو بالوحي من الله بأن يوصوا ؟!
ولهذا لاحظنا في الحديث المتقدّم أنه لمَّا لم يجد محيصاً لأنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أولىٰ من غيره بطاعة الله ، تراجع وقال : « أوصىٰ بكتاب الله ».
تكلَّف البعض كثيراً ، وأراد أن يوجِّه الأنظار إلىٰ شخصية إسلامية بعينها ، ويقطع علىٰ المخالفين الأقوال ، فنقل عن رسول
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ١٨٦.
(٢) صحيح مسلم ٥ : ٧٤.