وقع الاختلاف الثالث في لفظة أثبتها بعض الرواة وأهملها آخرون ، وهي كلمة « أبداً » فهي منقولة بتواتر ، ويمكن اعتبار التسامح في عدم ذكرها تخفيفاً من الرواة وتهويناً من أمر الوصيَّة ، حيث لا يخفىٰ أنَّ ذكرها كم يؤكِّد ويثبت المعنىٰ ، وعدمه يهوّن من أمر ذلك التأكيد والاثبات.
ف « أبداً » كما نراجعها في معاجم اللغة هي ظرف زمان للتأكيد في المستقبل نفياً أو إثباتاً ، والأبدي : ما لا نهاية له (١) قال تعالى : ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) (٢) و ( إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا ) (٣).
فإنَّ إثبات أو انكار هذه الكلمة يغيِّر كثيراً في المعنىٰ ، فلو قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تضلُّوا بعده » وسكت ، فإنه يمكن أن نفهم أنَّ المسلمين لن يضلُّوا في اختيار الخليفة ، أو لن يضلُّوا في سياستهم العامة التي ستلي مرحلة الرسول مباشرة ، أو أنَّ تلك الوصيَّة حتَّىٰ ولو لم يكتبها فإنَّها ليست بذات خطر عظيم علينا نحن المتأخرين ، وحتَّىٰ لو كانت موجودة فإنَّنا لن ننتفع بها عملياً وإن كنَّا ننتفع بها روحياً ، تماماً كآيات القرآن المنسوخة التي نقرأها كلَّ حين ولا نعمل بها.
ففائدة تلك الوصيَّة فائدة محدودة انتهىٰ وقتها ، وإن كنَّا نؤاخذ علىٰ عمر بن الخطاب منعه لتلك الوصيَّة فإنَّ مؤاخذتنا لن تصل إلىٰ
__________________
(١) أقرب الموارد ـ أبد ـ ١ : ١.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٥٧ ، سورة المائدة : ٥ / ١١٩ ، سورة التوبة : ٩ / ٢٢.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ٢٤.