نقول : وهذا ممَّا لا يصغىٰ له في مقامنا هذا ، لأنَّه يرمي إلى أنَّ الصواب في هذه الواقعة إنَّما كان في جانبه لا في جانب النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنَّ إلهامه كان أصدق من الوحي الذي نطق به عن الصادق الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقالوا : بأنَّه أراد التخفيف عن النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إشفاقاً عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض.
نقول : أمَّا نحن فنرىٰ بأنَّ في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبيِّ ، وبرد فؤاده ، وقرَّة عينه ، وأمنه علىٰ أُمَّته صلىاللهعليهوآلهوسلم من الضلال. علىٰ أنَّ الأمر المطاع ، والإرادة المقدَّسة ، مع وجوده الشريف ، إنَّما هما له ، وقد أراد ـ بأبي هو وأُمِّي ـ إحضار الدواة والبياض ، وأمر به ، فليس لأحد أن يردَّ أمره أو يخالف إرادته ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا ) (١).
على أنَّ مخالفتهم لأمره في تلك المهمَّة العظيمة ، ولغوهم ولغطهم واختلافهم عنده ، كان أثقل عليه وأشقُّ من إملاء ذلك الكتاب ، الذي يحفظ أُمَّته من الضلال ، ومن يشفق عليه من التعب بإملاء الكتاب كيف يعارضه ويفاجئه بقوله : هجر ؟!
وقالوا : إنَّ عمر رأىٰ إن ترك إحضار الدواة والورق أولىٰ.
نقول : هذا من أغرب الغرائب ، وأعجب العجائب ، وكيف يكون ترك إحضارهما أولىٰ مع أمر النبيِّ بإحضارهما ؛ وهل كان عمر يرىٰ أنَّ رسول الله يأمر بالشيء الذي يكون تركه أولىٰ ؟
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٦.