وقالوا : إنَّ عمر لم يفهم من الحديث أنَّ ذلك الكتاب سيكون سبباً لحفظ كلِّ فرد من أُمَّته من الضلال ، وإنَّما فهم أنَّه سيكون سبباً لعدم اجتماعهم ـ بعد كتابته ـ علىٰ الضلال ، وقد علم عمر أنَّ اجتماعهم علىٰ الضلال مما لا يكون أبداً ، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب ، ولهذا عارض يومئذٍ تلك المعارضة.
والجواب :
نقول : إنَّ عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد عن الفهم ، وما كان ليخفىٰ عليه من هذا الحديث ما ظهر لجميع الناس ؛ من أنَّ ذلك الكتاب لو كُتب لكان علَّة تامَّة في حفظ كلِّ فرد من الضلال ، وهذا المعنىٰ هو المتبادر من الحديث إلىٰ أفهام الناس ، وعمر كان يعلم يقيناً أنَّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن خائفاً علىٰ أُمَّته أن تجتمع علىٰ الضلال ؛ لأنَّه كان يسمع قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تجتمع أُمَّتي علىٰ ضلال ولا تجتمع على الخطأ » ، وقوله : « لاتزال طائفة من أُمَّتي ظاهرين علىٰ الحقِّ ... » الحديث (١) ، وقوله تعالىٰ ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) (٢) إلىٰ كثير من نصوص من الكتاب والسُنَّة الصريحين بأنَّ الأُمَّة لا تجتمع بأسرها علىٰ الضلال ، فلا يعقل مع هذا أن يسنح في خواطر عمر أو غيره أنَّ النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حين طلب الدواة والبياض ، كان خائفاً من اجتماع أُمَّته على الضلال ، والذي يليق بعمر أن يفهم من
__________________
(١) كنز العمال / ح ٩١٠ و ١٠٣٠ و ١٠٣١.
(٢) سورة النور : ٢٤ / ٥٥.