فالميل إلى رأي عمر كما رآه العقّاد بعيد جداً وغير مقبول إذا كانت الحادثة منتهية بكلام عمر ، فكيف ونحن نرىٰ أغلب الروايات تذكر مسألة النزاع والخلاف وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم : « قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع » كما ذكرها الأستاذ نفسه في كتابه (١).
أما لماذا لم يكتب النبي وصيته بعد ممانعة عمر ؟
فإنّ التدقيق في كلمات الحادثة وعباراتها ـ من قبيل الادِّعاء بأنَّ النبيَّ يهجر أو حسبنا كتاب الله ـ كافية جداً لسحب البساط من تحت كلِّ وصيَّة يوصي بها ، فالقول بهذيان مريض يوشك أن يرحل مانعٌ للأخذ بكلامه.
إنَّ كتابة أيِّ وصيَّة بعد انطلاق هذه الكلمة غير قابلة لقبول الناطق بها أوَّلاً ، ومن الذي سيسمع منه ثانياً ؟ سيحدث بعد ذلك الجدال والشجار حول هل أنَّ هذه الوصيَّة قابلة للتنفيذ أم أنَّها هذرمة إنسان يهجر ؟! أي هل إنَّه قالها وهو بكامل وعيه ، أم أنّ سكرات الموت غلبت عليه فانطلق لسانه بهذه الكلمات ؟ وبدل أن يجمع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الناس علىٰ هدىً بوصيَّته ، تصبح الوصيَّة بحدِّ ذاتها أساساً للتقاتل والفرقة.
ويكرّر العقاد كثيراً مراجعة عمر للنبي ويعتبرها مكرمة وفضل وخير لا ضرر فيه !! فيما لا يدع الحقّ لأحد أن يسمّي وقفة عمر تلك يوم الوصية مراجعة ، لأن المراجعة أخذ وعطاء ، وليس شتماً وتجاوزاً وجفاءً ..
فكلامه شتم ؛ لأنه قال : « إنّه يهجر » !! أو قال : « غلبه الوجع » أي لا يفقه ما يقول ، أو بعبارة أكثر وضوحاً ( يهذي ) !! وتجاوز ؛ لأنّه مكلّف
__________________
(١) عبقرية عمر : ٤٤١.