فيا لها من عبارات رائعة تذيب القلب حسرة وأسىً علىٰ تلك الوصية الضائعة أو المحجوبة أو الممنوعة.
غير أنك ما أن تكمل الموضوع الذي اقتطعنا منه تلك الفقرة حتى تعلم أن الأستاذ يبرّر للخليفة الثاني منعه ، فيقول : ( لقد يقال إنه أشفق على محمد وقد غلبه الوجع أن ينهكه في وعكته الشديدة تلك ، أن يتحدّث ويملى ، أوجز أو أطال في الحديث والإملاء ...
ولقد يقال إنه خشي عليه أن يرهقه جدال أولئك الذين أكبوا عليه ، والتفوا بفراشه ، وزاحموا هواء حجرته بأنفاس حرى ، ولفظ صخاب لا يحتملها مريض ... ولقد يقال إنه ، بقولته تلك ، أراد أن يضيق على الزائرين فسحة المكث ، فينفضّ جمعهم لكي لا يتضاعف ألم النبي ، وتشتد عليه وطأة المعاناة إن هو ، صلوات الله عليه ، انتبه في وجوههم الباسرة إلى دمعة باكٍ ، وعبسة محزون وحسرة ملهوف. (١)
ويقول : فالذي يبدو صواباً وقد وقع من هذا ، قد يبدو خطأ لو وقع من سواه. ما يظهر كالخطأ من شخص ، لا يبعد أن يظهر من آخر كصواب ، ذلك لأننا في تقديرنا لحقيقة الموقف لا ينبغي أن نحتكم إليه إلاّ وهو منسوب إلىٰ من وقع منه.
وقد ترى في كتاب الأستاذ انتقاداً لعمر لوقفته تلك ، إلاّ أنه لا يتركك تنهي كتابه حتى يقول لك بعد أن يربط وصية الرسول بيوم السقيفة : ثم لو قيل إنهم تلقّفوا التراث النبوي بعد أن رحل عن الدنيا صاحبه ، فقد تلقّفوه وهمّهم أن يصبح نهباً لمن لا يصونه من الناس. وإذن فقد راموا النفع العام ... ولا تثريب عليهم إن فعلوا ، ليحفظوه في
__________________
(١) السقيفة والخلافة : ٢٤٢.