وثانيا : إنّ القياس ـ مع كونه حراما عندنا ـ قياس مع الفارق ، لما عرفت ، ولأنّ الغائب مظنون البقاء على حاله ، ومستصحب ظنّه حتّى يثبت خلافه ، وهذا استصحاب في موضع الحكم الشرعي ، مسلّم عند الأخباريّين أيضا (١) ، بخلاف الميّت ، فإنّ موضوع الاستصحاب انعدم.
مضافا ، إلى أنّه لا شكّ في زوال الظنّ ، وانحصر الاحتمال في عدم حصول اعتقاد ، أو حصول اليقين بالصواب أو اليقين بالخطإ ، والاستصحاب هو الحكم باستمرار ما علم ثبوته ، حتّى تيقّن الانقطاع ، وقد حصل الانقطاع ، لأنّ ما علم وجوده ليس إلّا الظنّ ، وهو ليس إلّا صورة حاصلة في الذهن بالوجدان والبداهة ، ومسلّم عند الكلّ ، وبعد الموت تغيّر الذهن جمادا لا حسّ له ، فكيف إذا صار ترابا؟!
وأمّا أنّه حصل للروح هذه الصورة ، فباطل بالأدلّة العقليّة ، ومسلّم عند العارف.
نعم ، يحتمل عنده أن يكون بعد الموت تنكشف له الأمور ، كما هي ، وهو مخالف للأخبار ولا ينكشف له إلّا ما كشف الله له ، وهو الموافق لها ، وهو الحقّ عند من قال بأنّ الروح ليس من المجرّدات ، وهذا هو المنسوب إلى الشيعة.
ومع أنّ الانكشاف ليس إلّا العلم جزما ، والعلم مغاير للظنّ بالبديهة ، فما علم وجوده ـ وهو الظنّ ـ حصل اليقين بزواله ، وما حدث بعده لا شبهة بأنّ الأصل عدمه حتّى يثبت ، وقد عرفت أنّه إن كان يثبت فلا شكّ في أنّه غير ما علم وجوده.
والاستصحاب ليس إلّا استمرار ما علم وجوده لا غير ، بالبديهة ، والغير
__________________
(١) لاحظ! الفوائد المدنيّة : ١٤٣.