بل لا يكاد يمكن الاجتهاد إلّا بملاحظتها ، بل لا يمكن واقعا في الأزمنة الواقعة بعد غيبة الأئمّة عليهمالسلام ، سيّما أن يكون بعد عهدها ، فإنّ معرفة الخلاف والوفاق ، وكيفيّة فهم الفقهاء للأخبار وترجيحاتهم وجمعهم ، ومعرفة الجرح والتعديل ، والتقيّة وخلاف التقيّة ، والشهرة بين الأصحاب ، والشاذّ النادر ، والاصطلاحات وغير ذلك موقوفة على ملاحظتها ، بل تنفع كتبهم للمتعلّمين أيضا ، إذ لولاها لم يمكنهم الدرس والتعليم ، شكر الله سعي الفقهاء ، حيث ضبطوا ونقّحوا ، وقرّبوا البعيد ، وأسّسوا وجمعوا ونظّموا وفهموا ، حتّى أنّا من أنفسنا نجد بالبديهة أنّ كتبهم لو لم تكن عندنا ولم نلاحظها ولم ندر ما قالوا ، لم نتمكّن من الفتوى أصلا ، ومن قال : يمكن ، فهو متوهّم بلا شبهة.
فإن قلت : لو لم يجز تقليد الميّت وانحصر جواز التقليد في الحيّ ، لهلك الناس في العصر الّذي لا يكون فيه مجتهد ، والقطر (١) الّذي لا تصل أيديهم إلى المجتهد ، وأنّهم حينئذ ما ذا يصنعون؟ فثبت أنّ عدم جواز تقليد الميّت باطل ، لأنّ مستلزم الباطل باطل.
قلت :
أوّلا : ما تقولون لو لم تكن كتب الفقهاء موجودة ، أو كانت موجودة لكن لم يوجد من يفهم كتبهم؟ إذ فهم كتبهم على وجه الصحّة والإصابة لا يكاد يتحقّق للفضلاء ، فضلا عن العوام ، إذ تلاحظ الفاضل لا يصحّ فهمه كثيرا ، على أنّ الّذي يفهمها لا يكاد أن لا يعثر على خلافاتهم ، مثل : أنّ الماء القليل هل ينجس بالملاقاة ، وأنّ الكر ما ذا. وهكذا إلى آخر كتبهم ، إذ لا يكاد يتحقّق مسألة وفاقيّة لا تكون من ضروريّ الدين أو ضروريّ المذهب ، والضروري لا
__________________
(١) في ب : ( والعصر ).