كان حكم ، ورجع على المحكوم له بما أخذ إن أمكن وإلا على شاهد الزور ، وإن كان ما شهد به قتلا أو جرحا أو حد اقتص منه ، وإذا رجع عن الشهادة بشبهة دخلت عليه ، لزمه دية القتل أو الجرح ، ومثل العين المستهلكة بشهادته أو قيمتها إن يرضى المحدود بما يتفقان عليه.
وينبغي للحاكم أن يفرد الوقت الذي يجلس فيه للحكم له خاصة ولا يشوبه بأمر آخر سواه ، وألا يجلس وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مشغول القلب بشيء ، ويجلس مستدبر القبلة بسكينة ووقار ، وينزه مجلسه عن الدعابة والمجون ، (١) ويوطن نفسه على إقامة الحق والقوة في طاعة الله ، ويسوي بين الخصمين في المجلس واللحظ والإشارة ، ولا يبدأهما بخطاب إلا أن يطيلا الصمت فحينئذ يقول لهما : إن كنتما حضرتما لأمر فاذكراه ، فإن أمسكا أقامهما. (٢) وإن ادعى أحدهما على الآخر لم يسمع دعواه إلا أن تكون مستندة (٣) إلى علم كأن يقول : أستحق عليه ، أو ما أفاد هذا المعنى ، ولو قال : أدعي عليه كذا أو أتهمه بكذا ، لم يصح ، وأن يكون ما ادعاه معلوما متميزا بنفسه أو بقيمته ، فلو قال : أستحق عليه دارا أو ثوبا ، لم يصح للجهالة.
وإذا صحت الدعوى أقبل الحاكم على الخصم فقال : ما تقول فيما ادعاه؟
فإن أقر به وكان ممن يقبل إقراره للحرية والبلوغ وكمال العقل والإيثار للإقرار ، لزمه الخروج إلى خصمه منه ، فإن أبى أمر بملازمته ، فإن آثر صاحب الحق حبسه حبسه ، وإن آثر إثبات اسمه في ديوان الحكم أثبته ، إذا كان عارفا بعين المقر واسمه ونسبه ، أو قامت البينة العادلة عنده بذلك.
وإن أنكر ما ادعى عليه قال للمدعي : قد أنكر دعواك ، فإن قال : لي بينة ،
__________________
(١) المجون : أن لا يبالي الإنسان بما صنع. لسان العرب.
(٢) في « س » : « فإن سكتا وإلا أقامهما » والصحيح ما في المتن.
(٣) في الأصل : « إلى أن تكون مستندة » والصحيح ما في المتن.