وأمّا ما أفاده في الكفاية (١) من أنّ نفي الثالث بحجّية أحدهما ، حيث إنّا نعلم بأنّ أحدهما كاذب ، أمّا الآخر فلا علم بكذبه ، فيكون الحاصل هو أنّ أحدهما ليس بحجّة والآخر حجّة ، لكن لمّا كان ما هو الحجّة هو أحدهما بلا تعيين ، لم نتمكّن من تطبيقه على أحدهما المعيّن لكونه ترجيحاً بلا مرجّح ، فيكون تطبيقه على هذا معارضاً بتطبيقه على ذاك ، فيسقط كلّ منهما بخصوصه وتبقى الحجّية لأحدهما الغير المعيّن وهو كاف في نفي الثالث.
فقد أشكل عليه الأُستاذ العراقي (٢) بأنّه مبني على سراية العلم من مفهوم أحدهما إلى الخارج ، وقد حقّق في محلّه عدم السريان ، وسيأتي الكلام (٣) في ذلك إن شاء الله تعالى.
والأولى أن يقال : إنّ الحجّية منوطة بالوصول ، فلا محصّل لحجّية مفهوم أحدهما مع عدم العلم بحجّية هذا بعينه أو ذاك بعينه.
وأمّا ما عن الأُستاذ العراقي قدسسره (٤) من أنّ كلاً منهما يتضمّن مطابقة أو التزاماً تكذيب صاحبه ، فلو صدّقناهما لزم الحكم على كلّ منهما بأنّه صادق وكاذب ، فلا يشملهما دليل الحجّية لأجل لزوم هذا التناقض ، وهذا المانع مقصور على مدلولهما المطابقي الذي هو متعرّض لتكذيب صاحبه مطابقة أو التزاماً ، أمّا مدلولهما الالتزامي الذي هو نفي الثالث فلا يلزم من جريان دليل التصديق بالقياس إليه هذا المحذور أعني التناقض ، وحينئذ فلا مانع منه ، وبذلك يكونان نافيين للثالث.
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٤٣٩.
(٢ و ٤) نهاية الأفكار ٤ ( القسم الثاني ) : ١٧٥ ـ ١٧٦.
(٣) في الصفحة : ١٣٧.