ففيه : أنّ أقصى ما فيه هو أنّ سقوط الحجّية في الدلالة المطابقية لا يوجب سقوطها في الدلالة الالتزامية ، ويبقى عليه السؤال عن أنّه إذا سقطت الحجّية في الدلالة المطابقية كيف يمكن بقاؤها في الدلالة الالتزامية ، مع أنّ سقوط الحجّية عبارة عن عدم الحكم بالصدور.
ومن ذلك كلّه [ يعلم ] أنّا لا نحكم على المتعارضين بعدم الصدور كما أنّا لم نحكم عليهما بالصدور ، ولأجل [ ذلك ] يكون الأولى هو التعبير بالتوقّف لا بالسقوط ، ولكن ذلك كلّه فيما إذا لم يشتركا في شيء واحد كنفي الثالث ولو بالدلالة الالتزامية ، فإنّا حينئذ نحكم بصدورهما ، غايته أنّ أثره هو ترتيب ذلك الأثر الثالث الذي هو اللازم.
ولكن ربما يقع الاشتباه في اللازم بين ما هو مورد الانتقال اللمّي أو الانّي أو الانتقال من الموضوع إلى الحكم ، وبين ما هو مورد الحكاية والدلالة لمتن الخبر ، فإنّا حيث نقول إنّهما حجّة في اللازم فإنّما نعني به النحو الثاني ، أمّا النحو الأوّل فلا ، فلو دلّ أحد الخبرين على وجوب الشيء والآخر على حرمته مثلاً ، لا نقول إنّهما حجّة في نفي الثالث الذي هو الاباحة أو هو أصالة البراءة ، إذ ليس نفي الاباحة أو الأصل مدلولاً التزامياً لما دلّ على الوجوب أو ما دلّ على الحرمة.
نعم ، نحن إذا قام الدليل على وجوبه ننفي إباحته أو نسقط البراءة فيه ، ومن الواضح أنّه بعد التعارض في الوجوب والتحريم لم يكن بأيدينا حجّة على الوجوب ولا على التحريم ، فلا يمكننا الحكم بعدم إباحته.
وهكذا في الانتقال من الموضوع إلى الحكم ، فلو قامت بيّنة على أنّ هذا الماء لاقى البول وأُخرى على أنّه لاقى الدم ، لم يثبت عندنا موضوع النجاسة كي نرتّبه عليهما ، إلاّ إذا قلنا بالقدر الجامع وأنّهما حجّة فيه. وهكذا الحال في البيّنة