ثمّ لا يخفى أنّ الاستدلال على نفي الثالث بما أُفيد من أنّ سقوط الدلالة المطابقية عن الحجّية لا يوجب سقوط الدلالة الالتزامية عن الحجّية ، من جهة أنّ التلازم بينهما إنّما هو في مرحلة الوجود لا في مرحلة الحجّية ، إنّما يناسب مقطوعي الصدور دون ما نحن فيه ممّا يكون الصدور غير قطعي ، وأنّ المعارضة توجب عدم جريان دليل التصديق في كلّ من المتعارضين.
نعم ، إنّ عدم جريان دليل التصديق ليس عبارة عن الحكم بعدم الصدور ، كي يتوجّه عليه أنّه كيف يحكم بعدم الصدور من حيث الدلالة المطابقية وبالصدور من حيث الدلالة الالتزامية ، بل إنّ مرجع ذلك إلى عدم الحكم بالصدور ، وهذا فيما لا يترتّب أثر على صدوره ، أمّا ما يترتّب الأثر على صدوره ولو بحسب الدلالة الالتزامية ، فلا مانع من كونه مشمولاً لأدلّة الصدور وإن لم يمكن العمل به من ناحية الدلالة المطابقية.
ثمّ لا يخفى أنّه لا يرد على ما في الكفاية في تقريب الحجّية لأحدهما لا بعينه ، أنّ العلم المتعلّق بالصور الذهنية لا ينتقل إلى ما في الخارج كما حقّق في محلّه في مباحث العلم الاجمالي ، فإنّ صاحب الكفاية إنّما يلتزم في المقام بعدم الحجّية لما في الخارج من الخبرين المتعارضين ، لأنّ العلم بحجّية أحدهما لا بعينه لا يوجب الحجّية لواحد منهما بخصوصه.
والخلاصة : هي أنّ صاحب الكفاية قدسسره لم يستدلّ على التساقط بمجرّد العلم بكذب أحدهما ليكون ذلك العلم موجباً لكون التمسّك في كلّ واحد منهما بدليل الحجّية تمسّكاً بالعموم في الشبهة المصداقية ، ليرد عليه أنّ العلم لا يسري من الصورة الذهنية إلى ما في الخارج ، بل هو يريد أن يولّد من العلم بكذب