تكرم النحاة ، وكان لنا عام فوق الجميع وهو قوله : أكرم العلماء ، فيكون ذلك نظير ما لو قال : جئني بأبيض ، وقال : لا تجئني بإنسان ، فإنّهما يتعارضان في الإنسان الأبيض لأنّه مورد الاجتماع ، وينفرد الأوّل في القرطاس ، وينفرد الثاني في الإنسان الأسود ، فلو كان لنا عام فوقهما وهو جئني بجسم ـ مثلاً ـ كان شاملاً لمورد الاجتماع ، ولا يمكن أن نخصّص هذا العام الفوق ونخرج منه مورد اجتماع الخاصّين ـ أعني الإنسان الأبيض ـ بشيء من ذينك الخاصّين ، أمّا قوله :
جئني بأبيض ، فلأنّه موافق للعام ، وأمّا قوله : لا تجئني بإنسان ، فلكونه مبتلى بالمعارض الذي هو جئني بأبيض ، وحينئذ لابدّ من بقاء مورد اجتماعهما تحت ذلك العام الفوق.
أمّا ما ينفرد فيه الأوّل منهما وهو القرطاس فهو باقٍ تحت العموم أيضاً ، لكون الأوّل موافقاً فيه لذلك العام الفوق.
وأمّا ما ينفرد فيه الخاصّ الثاني وهو الإنسان الأسود فيحكم بخروجه عن ذلك العام ، لكون الثاني أخصّ منه مع عدم المعارض للثاني فيه. والحكم بخروج الإنسان الأسود عن العام الفوق ـ أعني ائتني بجسم ـ وإن أوجب تقييد ذلك العام الفوق بغير الإنسان الأسود ، وكان محصّل ذلك العام الفوق ائتني بجسم غير الإنسان الأسود ، إلاّ أنّ ذلك لا يعقل أن يكون موجباً لانقلاب النسبة بينه وبين قوله : لا تأتني بإنسان ، إلى العموم من وجه ، لأنّ تخصيص العام الفوق إنّما جاء من قبله ، فبعد تخصيصه به لا يعقل انقلاب النسبة بينهما ، وإنّما يعقل ذلك فيما لو كان المخصّص لذلك العام الفوق دليلاً آخر غير هذا الدليل.
هذا هو الشأن في كلّ دليلين بينهما عموم من وجه وكانا مختلفين في الحكم ، وكان فوقهما دليل أعمّ منهما جميعاً ، وكان ذلك الأعمّ الفوق موافقاً