وممّا يدلّ على ما قلناه من قيام الشبهة التي يعذر بها ابن الجنيد في هذه المقالة :
مضافا الى اتّفاق الأصحاب على عدم خروجه بها من المذهب وإطباقهم على جلالته وتوثيقهم وتصريحهم بتوثيقه وعدالته ، انّ هذا الشيخ كان في أيّام معزّ الدولة من آل بويه وزير الطائع من الخلفاء العباسيّة ، وكان المعزّ إماميا عالما وكان أمرا الشيعة في أيّامه ظاهرا معلنا حتّى انّه قد كان ألزم أهل بغداد بالنوح والبكاء وإقامة المأتم على الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء في السكك والأسواق ، وبالتهنئة والسرور يوم الغدير ، والخروج الى الصحراء لصلاة العيد.
ثمّ بلغ الأمر في آخر أيّامه الى ما هو أعظم من ذلك.
فكيف يتصوّر من ابن الجنيد ـ في مثل ذلك الوقت ـ أن ينكر ضروريّا من ضروريات المذهب ويصنّف في ذلك كتابا يبطل فيه ما هو معلوم عند جميع الشيعة.
ولا يكتفي بذلك حتّى يسمى من خالفه فيه اغمارا وجهّالا ومع ذلك فسلطانهم ـ مع علمه وفضله ـ يسأله ويكاتبه ويعظّمه ، ولو لا قيام الشبهة والعذر في مثله لامتنع مثله بحسب العادة ، ( الى أن قال ) :
فظهر أن خطأه في أمر القياس وغيره في ذلك الوقت كان كالخطإ في مسائل الفروع التي يعذر فيها المخطئ ولا يخرج به عن المذهب.
وممّا ذكرنا يعلم أنّ الصواب اعتبار أقوال ابن الجنيد ومذاهبه في تحقيق الوفاق والخلاف كما عليه معظم الأصحاب ، وانّ ما ذهب إليه في أمر القياس ونحوه لا يقتضي إسقاط كتبه ولا عدم التعويل عليها على ما قاله الشيخ رحمهالله :
فان اختلاف الفقهاء في مباني الأحكام لا يوجب عدم الاعتداد بأقوالهم لأنهم قديما وحديثا كانوا مختلفين في الأصول التي تبتنى عليها الفروع ( ثمّ نقل أمثلة لذلك ) ثمّ قال :
ولا يبعد أن يكون الوجه فيما قاله الشيخ ـ رحمهالله ـ ومن وافقه على ذلك حسم