فأعتقها وتزوجها ، ثمّ مات بعد ذلك ، ولم يخلف غيرها ، فانّ عتقه ونكاحه باطل ، وترد في الرق لمولاها الأول ، وان كانت قد حملت ، كان أولادها رقا كهيئتها ، فإن خلّف ما يحيط بثمن رقبتها ، فعلى الورثة ان يؤدوا ثمنها لمولاها ، وقد مضى العتق والتزويج ، ولا سبيل لأحد عليها (١).
قال محمد بن إدريس رحمهالله ، الّذي يقتضيه أصول مذهب أصحابنا ، ان العتق المذكور صحيح ، لأنه أعتق ملكه بغير خلاف ، والحر لا يعود رقا ، والنكاح صحيح ، والولد حر ، والحر لا يصير عبدا ، لانّه انعقد حرا ، سواء خلّف غيرها من الأموال ، أولم يخلّف. والثمن في ذمته ، وما ذكره رحمهالله من بطلان العتق والتزويج وصيرورة أولادها ان حمل كهيئتها رقا ، غير مستقيم ولا واضح ، لانّه مخالف للأدلّة القاهرة ، ومضاد للكتاب والإجماع والسنّة ، المتواترة ، لأنه لا إجماع عليه ، ولا كتاب ولا سنة ، وما أورد شيخنا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ، أورده إيرادا لا اعتقادا على ما بيناه ، كما أورد أمثاله في هذا الكتاب ، أعني النهاية مما لا يعمل عليه ولا يفتي به.
وقال أيضا في نهايته : وإذا أعتق الرجل مملوكه عند موته وعليه دين ، فان كان ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدين ، مضى العتق ، واستسعى العبد في قضاء دين مولاه ، وان كان ثمنه أقل من ضعفي الدين كان العتق باطلا (٢).
قال محمد بن إدريس رحمهالله ان أراد بقوله عند موته انه أنجز عتقه قبل موته ، فان العتق صحيح ماض ، ولا سبيل للديّان عليه ، لانّه تصرف في ملك الإنسان قبل الحجر عليه ، وللإنسان أن يتصرف في ملكه كيف شاء ، لان الناس مسلطون على أملاكهم ، يتصرفون فيها بالبيع والهبة ، والصدقة ، والعتق ، وغير ذلك وان أخّر عتقه الى بعد موته ، فهذا تدبير ووصيّة ، لأنّ التدبير عند أصحابنا بمنزلة الوصية ، والوصية لا تصح الّا بعد قضاء جميع الديون ، وانّما الذي أورده شيخنا في نهايته خبر واحد ، على قول من قال من أصحابنا ان العطايا المنجزة في مرضه الموت ، لا تخرج من أصل المال ، وانّما تخرج من الثلث ، لأنّ أصحابنا لهم في ذلك مذهبان ، فبعض
__________________
(١ و ٢) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق وأحكامه.