والذي يقتضيه مذهبنا أنه بعد وقفه وتقبيضه لا يجوز الرجوع فيه ، ولا تغييره عن وجوهه وسبله ، ولا بيعه ، سواء كان بيعه أدرّ عليهم أم لا ، وسواء اخربه الوقف (١) ولا يوجد من يراعيه بعمارة ، من سلطان وغيره ، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا لأنّا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف ، وانّه لا يجوز حلّه ولا تغييره عن وجوهه وسبله ، فمن ادعى غير ذلك فقد ادعى حكما شرعيّا ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، لأنه لا إجماع منا على ذلك ، لان بعض أصحابنا يذهب اليه ، والباقون يمنعون منه ، فقد حصل الإجماع المنعقد على كونه وقفا ، ولم يجمعوا على خروجه من الوقف ، بحال من الأحوال ، ولا يرجع في مثل هذا الإجماع والأصل الى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
فانّ شيخنا أبا جعفر قال في مسائل خلافه : مسألة إذا خرب الوقف ولا يرجى عوده ، في أصحابنا من قال : يجوز بيعه ، وإذا لم يختلّ لم يجز ، وبه قال احمد بن حنبل. وقال الشافعي : لا يجوز بيعه على حال ، دليلنا الأخبار المرويّة عن الأئمة عليهمالسلام ، هذا أخر كلامه في المسألة (٢).
فاعتبر ايها المسترشد قوله واستدلاله ، فإنه قال : « في أصحابنا من قال يجوز بيعه » ولم يستدلّ بالإجماع ، لأنهم ما أجمعوا على بيعه بعد خرابه واختلاله ، وذكر مالا دليل فيه من أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
هذا الخلاف الذي حكيناه من أصحابنا إنما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه الى غيرهم ، فامّا إذا كان الوقف على قوم وعلى من بعدهم على غيرهم (٣) وكان الواقف قد اشترط رجوعه الى غير ذلك ، إلى ان يرث الله الأرض ، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ، بغير خلاف بين أصحابنا.
قد قلنا : إنه إذا قبّض الوقف زال ملك الواقف عنه ، وصار ملكا للموقوف
__________________
(١) ج. ل. خرب الوقف.
(٢) الخلاف ، كتاب الوقوف والصدقات ، مسألة ٢٢.
(٣) ج. الى غيرهم.