منها ان يكون الواقف مختارا ، مالكا للتبرع ، فلو وقف وهو محجور عليه لفلس لم يصح.
ومنها أن يكون متلفّظا بصريحه ، قاصدا له وللتقرب به الى الله تعالى.
والصريح من ألفاظه وقفت ، وحبست ، وسبّلت.
فأما قوله : تصدّقت ، فإنه يحتمل الوقف وغيره ، الّا ان يقرن إليه قرينة تدلّ على أنه وقف ، مثل قوله : تصدقت صدقة لا تباع ولا توهب ، وغير ذلك.
وكذا قوله : « حرّمت وأبّدت » لا يدلّ على صريح الوقف ، الا أن يضمّ الى ذلك ضميمة ، مع أنهما لم يرد بهما عرف الشرع ، فلا يحمل على الوقف الا بدليل.
ومن أصحابنا من اختار القول بأنه لا صريح في الوقف الا قوله : « وقفت » دون « حبست وسبّلت » وهو الذي يقوى في نفسي ، لأن الإجماع منعقد على ان ذلك صريح في الوقف ، وليس كذلك ما عداه.
ولو قال تصدقت ونوى به الوقف صحّ فيما بينه وبين الله تعالى ، لكن لا يصحّ في الحكم ، لما ذكرناه من الاحتمال.
ومنها ان يكون الوقوف معلوما ، مقدورا على تسليمه ، يصح الانتفاع به مع بقاء عينه في يد الموقوف عليه ، على ما قدمناه فيما مضى.
ومنها أن يكون الموقوف عليه غير الواقف ، فلو وقف على نفسه لم يصح ، فامّا إذا وقف شيئا على المسلمين عامّة فإنه يجوز له الانتفاع به ، عند بعض أصحابنا ، قال : لأنّه يعود إلى أصل الإباحة ، فيكون هو وغيره فيه سواء ، هذا إذا كان الوقف عامّا كان حكمه كحكم غيره من الناس : الفقراء ، والمساكين ، وان لم يكن عامّا وكان مخصوصا بقوم معينين لم يجز له ذلك ، وان كان ما وقفه دارا أو منزلا ، وكان وقفه لذلك عامّا في سائر النّاس ، مثل الدور التي ينزلها الحاج ، والخانات ، جاز له النزول فيها ، وان لم يكن كذلك لم يجز له ذلك على حال.
والذي يقوى عندي أن الواقف لا يجوز له الانتفاع بما وقفه على حال ، لما بيّناه وأجمعنا عليه ، من أنه لا يصح وقفه على نفسه ، وأنه بالوقف قد خرج عن ملكه ، ولا يجوز عوده اليه بحال.