إلى دليل (١).
هذا أخر استدلاله ونعم ما استدلّ به رحمهالله.
إذا وهب في مرضه المخوف شيئا واقبضه ، ثمّ مات ، فمن أصحابنا من قال تلزم الهبة في جميع الشيء الموهوب ، سواء كان الثلث أو أكثر من الثلث ، وهو الصّحيح من المذهب الذي تقتضيه الأصول ، ومنهم من قال تلزم في الثلث ، وتبطل فيما زاد عليه.
إذا كان له في ذمّة إنسان مال ، فوهبه له ، كان ذلك إبراء بلفظ الهبة ، وهل من شرط صحّة الإبراء قبول المبرئ أم لا؟ قال قوم من شرط صحته قبوله ، فلا يصحّ حتى يقبل ، وما لم يقبل فالحق ثابت بحاله.
وهو الذي نختاره ، ونقول به ، لأنّ في إبرائه من الحق الذي له عليه منّة عليه ، وغضاضة ، ولا يجبر على قبول المنّة ، وتحمّل الغضاضة فإذا لم نعتبر قبوله ، أجبرناه على ذلك ، كما نقول في هبة العين له « انها لا تصح إلا إذا قبل ».
وقال قوم ان ذلك يصح ، شاء من عليه الحق ، أو أبي لقوله تعالى « فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ » (٢) و « أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ » (٣) فاعتبر مجرد الصدقة ، ولم يعتبر القبول ، وقال تعالى « وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلّا أَنْ يَصَّدَّقُوا » (٤) فأسقط الدّية بمجرد التصدق ، ولم يعتبر القبول ، والتصدق في هذا الموضع الإبراء.
قلنا اما التمسّك بهذا فضعيف عندنا ، لأنه دليل الخطاب ، ودليل الخطاب عند المحصلين من أصحابنا المتكلّمين في أصول الفقه لا يعملون به ، هذا إذا وهبه لمن عليه الحقّ.
فإن وهبه لغيره صحّ ذلك ، الا انه لا يلزم الا بالقبض.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، صدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الاحكام ، من شرطها الإيجاب والقبول ، ولا تلزم الّا بالقبض ، وكل من له الرجوع
__________________
(١) الخلاف ، كتاب الهبة ، مسألة ١٧ ، في نقل العبارة تقطيع.
(٢) و (٣) سورة البقرة ، الآية ٢٨٠.
(٤) سورة النساء ، الآية ٩٢.