والّذي يقتضيه مذهبنا خلاف ذلك ، لأنّ إجماع أصحابنا منعقد على ان التدبير بمنزلة الوصيّة ، بل هو وصيّة ، ولا خلاف بينهم في ان للإنسان ان يرجع في وصيّته ما دام حيّا ثابت العقل ، ولا خلاف بينهم في ان الأولاد مدبرون ، فكيف لا يرجع فيهم.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وإذا دبر عبده وعليه دين ، فرارا به من الدين ، ثمّ مات ، كان التدبير باطلا ، وبيع العبد في الدين ، وان دبر العبد في حال السّلامة ثمّ حصل عليه دين ، ومات ، لم يكن للديان على المدبر سبيل (١).
قال محمّد بن إدريس رحمهالله وهذا غير واضح ، لانه لا خلاف بيننا أنّ التدبير بمنزلة الوصيّة يخرج من الثلث ، ولا يصح الّا بعد قضاء الدّيون ، فعلى هذا التحرير والتقرير يباع العبد في الدّين ، ويبطل التدبير على كل حال ، سواء دبره في حال السلامة ، أو فرارا من الدّين ، وانما هذا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا.
والمدبر متى حصل معه مال ، جاز لمولاه التصرف فيه ، كما ينصرف في ماله ، فان باعه ، جاز له ان يأخذ ماله.
وإذا أبق المدبر ، بطل تدبيره ، فان رزق في حال إباقه بكسر الألف مالا ، وأولادا ، ثمّ مات ، ومات الذي دبره ، كانوا رقا لورثته ، وجميع ما خلفه من المال والولد لورثة الذي دبره.
وقد روي (٢) انه إذا جعل الإنسان خدمة عبده لغيره ، وقال « متى مات من جعل له تلك الخدمة يكون حرا » كان ذلك صحيحا فمتى مات المجعول له ذلك ، صار حرا ، وان أبق العبد ولم يرجع الّا بعد موت من جعل له خدمته ، لم يكن لأحد عليه سبيل ، وصار حرا.
ولا دليل على هذه الرّواية ، وصحّتها ، لأنها مخالفة لأصول مذهبنا ، لأنّ التدبير في عرف الشريعة عتق العبد بعد موت مولاه ، والمجعول له الخدمة غير مولاه ، وأيضا لو كان التدبير صحيحا ، لكان إذا أبق أبطل التدبير ، لأنّ عندنا إباق المدبر يبطل
__________________
(١) النهاية ، كتاب العتق باب التدبير.
(٢) الوسائل ، الباب ١١ ، من أبواب التدبير ، الحديث ١.