وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وقال بعض أصحابنا انّ العاقلة ترجع بها على القاتل ، ان كان له مال ، فان لم يكن له مال ، فلا شيء للعاقلة عليه ، ومتى كان للقاتل مال ولم يكن للعاقلة شيء ، ألزم في ماله خاصة الدية (١).
قال محمّد بن إدريس هذا غير مستقيم ، لانه خلاف إجماع المسلمين على ما قدمناه ، لان القاتل لا يدخل في العقل ، ولا يعقل عن نفسه ابدا.
ثم قال شيخنا أبو جعفر أيضا في نهايته ، ومتى لم يكن للقاتل خطأ عاقلة ، ولا من يضمن جريرته من مولى نعمة ، أو مولى تضمن جريرة ، ولا له مال ، وجبت الدية على بيت مال المسلمين (٢).
وهذا أيضا غير مستقيم ، لانه خلاف إجماع أصحابنا ، بل تجب الدية على مولاه الذي يرثه ، وهو امام المسلمين ، في ماله وبيت ماله ، دون بيت مال المسلمين ، لانه ضامن جريرته وحدثه ، ووارث تركته ، وهذا إجماع منّا لا خلاف فيه ، وقد أحكمنا ذلك وحررناه في باب الولاء (٣) فلا حاجة بنا إلى إعادته.
وقال شيخنا في نهايته ، وامّا دية الخطأ شبيه العمد ، فإنها تلزم القاتل نفسه في ماله خاصّة ، فان لم يكن له مال ، استسعي فيها ، أو يكون في ذمته الى ان يوسع الله عليه ، فان مات أو هرب ، أخذ أولى الناس اليه بها ممن يرث ديته ، فان لم يكن له أحد أخذت من بيت المال (٤).
قال محمّد بن إدريس هذا غير واضح ، لانه خلاف الإجماع ، وضد ما يقتضيه أصول مذهبنا ، لأن الأصل براءة الذمة ، فمن شغلها يحتاج الى دليل ، والإجماع حاصل على ان الأولياء وبيت المال لا تعقل الا قتل الخطأ المحض ، فاما الخطأ شبيه العمد فعندنا بغير خلاف بيننا لا تعقله العاقلة ، ولا تحمله ، بل بحب الدية على القاتل نفسه ، فمن قال بموته ، أو هربه ، تصير على غيره يحتاج الى دليل قاهر ، ولا يرجع في ذلك الى اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
__________________
(١) و (٢) و (٤) النهاية كتاب الديات باب أقسام القتل وما يجب فيه من القود والدية.
(٣) في ص ٢٦٦.