فأمّا قوله رحمهالله فإن أقر بالسرقة أو الزنا أقيم عليه الحد ، فغير مستقيم ولا واضح ، بل نقول في القطع في السرقة لا يقطع ، كما قلناه في إقامة البيّنة ، لأنه لا مطالب له أيضا هاهنا ، فلا فرق في هذا بين البينة والإقرار في انه لا يقام عليه الحدّ الذي هو القطع ، فاما حد الزنا فإنه يقام على كل حال ، لأنه أقر بالزنا ، وما ادعى الإباحة من مولاها ، بخلاف إقامة البينة ثم يدعى الزاني الإباحة ، فتصير شبهة كما قلناه ، فليلحظ ما قاله رحمهالله ، وما نبهنا عليه وحررناه ، فإنه واضح للمتأمل المحصل غير المقلد للرجال.
إذا ترك الأحمال والأجمال في مكان واحد ، وانصرف في حاجة ، وكانت في غير حرز هي وكلّ ما معها من متاع وغيره ، فلا قطع فيها ولا في شيء منها ، لأنها في غير حرز بمجرى العادة ، وما ذكرناه لا يعده أحد حرزا ، لان من ترك إجماله كذلك وماله قيل انه قد ضيّعه.
إذا سرق سارق باب دار رجل ، قلعه وأخذه ، أو هدم من حائطه آجرا فبلغ قيمته نصابا يجب فيه القطع ، قطع ، فان الباب والآجر في الحائط في حرز ، وكذلك من أخذ حلقة الباب ، يقطع ، لان كلّما كان حرزا لغيره فهو في نفسه حرز ، فاما حلقة الباب ، فهي في حرز ، لان الحلقة بتسكين اللام هكذا تحرز ، بان تسمر في الباب على ما جرت به العادة ، فإن قلعها قالع وبلغت نصابا قطع ، على ما قدمناه ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر واختاره في مبسوطة (١) ، ومسائل خلافه (٢) ، وهو من تخريجات المخالفين وفروعهم.
والذي يقتضيه أصول مذهبنا : انه لا قطع على من أخذ ذلك بحال ، لان الحرز عندنا القفل والغلق والدفن ، وليست هذه الأشياء في حرز ، والأصل براءة الذمة ، وقبح إدخال الضرر على بنى آدم ، والإجماع من أصحابنا فغير منعقد عليه ، بل ما ذهب منهم سوى شيخنا أبي جعفر ومن تابعه اليه فحسب ، وما وردت به عن الأئمة عليهمالسلام اخبار لا آحاد ولا متواترة ، والعمل يكون تابعا للعلم ، فلا يجوز ان يقطع
__________________
(١) المبسوط : ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٢٥.
(٢) الخلاف ، كتاب السرقة ، مسألة ٥٣.