إذ لا شك أنّ غسل ما دونه المسبوق بغسل أوّل الجزء غسل شرعي. وأيضا ليس هو ابتداء بغير الأعلى ، واللازم إخراج الوجهين ؛ لانّ المقصود هو بيان أنّ النيّة يجب أن تكون مقارنة لغسل أوّل الجزء ، لا ما دونه وإن كان مسبوقا بغسل أوّل الجزء بلا نيّة.
قلنا : نعم كذلك ، ولكن لا خلاف في أنّه إذا وجب البدأة باوّل الجزء من الأعلى تجب مقارنة النيّة لغسله ، وإنّما وقع الخلاف في أنّه هل تجب البدأة به أم لا؟
فلا شك في عدم شمول إطلاق كلام المصنّف لغسل ما دون أوّل الجزء المسبوق بغسل أوّل الجزء ؛ لعدم الخلاف في أنّ النيّة لا تكون مقارنة له ، بل المشكوك فيه هو شموله لغسل ما دون الجزء الغير المسبوق ، فهو يحتاج إلى بيان العلّة لاخراجه ؛ فلذا اقتصر على التعليل لاخراجه. هكذا ينبغي أن يفهم كلام الشارح هنا.
وقد ذكر المحشّون وجوها اخر لا تكاد تصح.
قوله : وكذا تمييز العبادة.
أي : وكذا لا شبهة في اعتبار تميّز العبادة عن غير هذه العبادة من العبادات إذا كان الفعل مشتركا بين عدّة أنواع من العبادات كإعطاء الفقير المشترك بين الزكاة والصدقة والنذر إذا كان مثلا ، والصوم المشترك بين النذر والقضاء والكفّارة إذا اجتمعت الثلاثة على الصائم ، فيجب عليه تميّز أنّه أيّ فرد من هذه الثلاثة.
وليس المراد أنّه لا شبهة في اعتبار تميّز العبادات عن غير العبادة كالغسل المشترك بين الطهارة ومجرّد الارتماس أو التبرّد ، والصوم المحتمل للعبادة والإمساك ؛ لانّ بعد اعتبار القربة يمتاز العبادة عن غيرها ؛ إذ لا قربة في غير العبادات ، ولانّه لو كان المراد ذلك لتحقّق الاشتراك في الوضوء أيضا ؛ لانّ أفعال الوضوء مشتركة بين ما كان للطهارة أو للتبرّد والنظافة.
وقوله : « إلّا أنّه لا اشتراك في الوضوء » دفع لتوهم المنافاة بين قوله : « لا شبهة في إجزاء النيّة المشتملة على جميع ذلك » وقوله : « وكذا تمييز العبادة » حيث إنّ الأوّل يدلّ على عدم اعتبار غير ما ذكره المصنّف ، والثاني على لزوم اعتبار أمر زائد.