قوله : وهو يقتضي التخيير.
أي : التخيير بين نزح الأربعين والخمسين.
وقد استشكلوا في هذا المقام حيث إنّ التخيير بين الشيئين اللذين من جنس واحد ، وأحدهما زائد على الآخر ويكون وجود الزائد تدريجيّا أي : على التعاقب ، ممّا لا يمكن تصحيحه ، وذلك لأنّه على تقدير التعاقب حصل أحد الأفراد ، والذمّة قد برئت بفعل الجزء ، والأصل عدم وجوب الزائد ، وأيضا يجوز ترك الزائد لا إلى بدل ، فكيف يكون تخييرا؟
وحاصله : أنّ التخيير بين الأربعين والخمسين في مقدار النزح لا يتحصّل ؛ لأنّ نزح الخمسين يستلزم إيجاد نزح الأربعين أوّلا لا محالة ، وبمجرّد إيجاده يبرأ الذمّة ويطهر الماء ، فكيف يمكن اتصاف الخمسين بالوجوب؟ فينحصر فرد الواجب بالأربعين دائما؟
وقال والدي العلّامة ( طاب ثراه ) في حواشي تجريد الاصول :
بأنّه يمكن أن يقال بوجوب الزائد في مثل ذلك بأن يقال : إنّ حصول الفردية في مثل ذلك إنّما هو بالقصد ، فإن قصد نزح الاربعين يصير ذلك فردا ، وإن قصد الخمسين يصير هو فردا ، وحصول الأربعين أوّلا لا فائدة فيه ، وليس ذلك حينئذ فردا للمخيّر. قال ( قدس الله سره ) : ولا يلزم من ذلك تابعية الوجوب لمجرّد قصد المكلّف ، بل الشارع جعل هذا القصد مناطا ، فذلك إنّما هو بفعل الشارع.
أقول : لا يخفى أنّه يلزم من ذلك أنّه لو قصد أوّلا نزح الخمسين لم يطهر الماء لو اكتفى بالأربعين بعد تحقّقها مع قصد الاكتفاء بها ثانيا.
فإن قلت : إنّ المراد بالقصد ليس القصد الأول ، بل يكفي القصد ولو طرأ في الاثناء.
قلنا : يلزم عدم تطهير البئر على القول بنجاسته بعد نزح الأربعين قبل تغيّر القصد ، وطهر بمحض تغيّر القصد وهو أبعد ، مع أنّ مدخليّة القصد في ذلك أمر يحتاج ثبوته إلى دليل ، ولا دليل يدلّ عليه. والصواب في مثل ذلك نفي الوجوب عن الزائد وجعله ندبا في الواجب وأكثر ثوابا في المستحب ، فيكون فرد الواجب هو الأربعون ، ويكون للعشرة فضيلة وثواب زائد أو يحمل مرادهم من التخيير في مثل ذلك على التخيير الذي بين فعل المندوب وتركه ، فتأمّل.