يمكن أن يقال : إن كون التفقّه هو معرفة الأحكام بالاستدلال عرف طار ، وهو غير عرف زمان المعصوم ، بل يحمل فيه على معناه اللغوي ، وهو معرفة الأحكام بأي نحو كان ، فيشمل معرفتها بالتقليد أيضا.
قوله : ترك الزيادة في السلعة.
أي : يستحبّ ترك الزيادة في قيمة السلعة وقت نداء المنادي الذي هو المشتري بقيمة.
والحاصل : أنّه إذا كانت سلعة في معرض البيع ، فنادى مناد أنا أشتريها بالقيمة الفلانية ، فيكره لغيره أن يزيد في القيمة حتّى يسكت ذلك المنادي ولم يرض البائع بما نادى به ، من الثمن ، وحينئذ فلا كراهة.
وتقييد السكوت بعدم رضى البائع ممّا لا بدّ منه لتحقّق الكراهة مع رضاه ، صرّح بذلك العلّامة كما نقل عنه في الدروس. وليس المراد أنّه يستحب ترك الزيادة وقت نداء المنادي الذي هو البائع ؛ لأنّه لا كراهة حينئذ ؛ لأنّ البائع حينئذ يطلب الزيادة ، وسيأتي أنّ مع طلبه الزيادة لا كراهة في الزيادة ، وأيضا لا وجه لارتفاع الكراهة بالسكوت حينئذ.
وأما قول الشارح من الدلال فظاهره أنّه حمل النداء على نداء البائع ؛ لأنّه ينادي على البيع ، لا على الشراء.
ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالدلال : من يدلّ البائع على ما يشتريه المشتري من الثمن يعني : أنّه إذا نادى الدلّال بما يشتريه المشتري حتّى يستعلم رضى البائع وعدمه ، فتكره الزيادة حتّى يسكت ذلك المنادي ، ولم يرض البائع.
فإن قلت : إنّ ما ذكرت لا يلائم ما سيأتي من تخصيص الكراهة بما بعد التراضي أو قربه ؛ فإنّ وقت نداء المنادي بالثمن لا يعلم رضى البائع ولا قربه.
قلنا : قول الشارح بعد قول المصنّف : « بعد التراضي ، أو قربه » : « فلو ظهر له ما يدلّ على عدمه فلا كراهة » إشارة إلى أنّ المناط في ارتفاع الكراهة هو ظهور ما يدلّ على عدم الرضا ، فلو لم يظهر من البائع شيء ، وكان الرضا محتملا ، فتكون الكراهة باقية ، لا أنّ المناط في الكراهة هو ظهور ما يدلّ على الرضا أو قربه ، فتأمّل.