ويحتمل أن تكون « الباء » بمعنى « مع » ، وتستفاد السببيّة أيضا من التعليق عليه حيث إنّه مشعر بالعلّية. وعلى التقديرين يمكن تعلّق المجرور بقوله : « ولا يخاف » ، وبقوله :« الوقوع » والمفاد واحد.
قوله : قال الله تعالى : ( فَانْكِحُوا ).(١)
ذكر الآيتين لبيان الاستحباب دون الوجوب بقرينة قوله فيما بعد ؛ « وأقلّ الأمر الاستحباب » ، صدر الآية : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) وذيلها ( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ). المعنى ـ والله أعلم ـ : إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء ، بل تجوروا عليهن ليتمهن وضعفهن ، فزوّجوا غيرهنّ ممّا طاب لكم من النساء اللاتي لا تقدرون على عدم العدل لعشيرتهن وآبائهنّ ونحوها ، فتعدلوا بينهنّ ولا تقصروا في حقّهنّ من المهر والنفقة وغيرهما. روي أنّهم كانوا إذا وجدوا يتيمة ذات مال وجمال تزوجوها ، فربّما يجتمع عند واحد منهم عدّة منهنّ فيقصرون فيما هو واجب عليهم فنزلت الآية ، ثمّ قال الله تعالى : فإن كان لكم قوّة وخفتم أن لا تعدلوا في غير اليتامى أيضا فاكتفوا بالواحدة من النساء أو بما ملكت أيمانكم اللاتي لا حقوق لهنّ.
وقد ورد في الآية وجه آخر وهو أنّه روي أنهم لما سمعوا عظم أمر اليتامى كانوا يتحرجون عنهم ذكورا واناثا وعن التصرّف في أموالهم خوفا من عقاب الله سبحانه ، ولكن كانوا لا يتحرزون عن الجور في امور النساء من عدم التعديل والتقصير في المهر والنفقة ، فنزلت هذه الآية أي : إن كنتم بهذه المثابة وخفتم من عقاب الله وتحرجتم عن اليتامى لذلك فينبغي أن تتحرزوا في امور النساء أيضا ، فانكحوا منهنّ ما تقدرون على أداء حقوقهن من اللاتي تطيب لكم وتميلوا إليهنّ بهذا العدد ، وإن خفتم في ذلك العدد أيضا فاكتفوا بالواحدة.
وقيل : كانوا يتحرجون من اليتامى ، ولا يتحرجون من الزنا ، فنزلت الآية.
__________________
(١) النساء : ٣.